يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ)
ش: قَالَ سَنَدٌ: مَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ، وَهُوَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ ذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَاجِبٍ نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ فِي مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَيْضًا، وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ فِي ذَلِكَ كَالتَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي وَاجِبٍ مَضْمُونٍ كَالنَّذْرِ، وَفِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَوْ فَرِيضَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ: يَبْقَى الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُجْزِئُهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِبُّ لَهُ مَالِكٌ الْقَضَاءَ انْتَهَى. أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنْ لَمْ يَنْذُرْهَا أَوْ نَذَرَهَا نَذْرًا مُعَيَّنًا، فَهِيَ كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا مَضْمُونًا، فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ، فَتَأَمَّلْ كَلَامَ سَنَدٍ تَجِدْهُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ تَقْيِيدَ فَرِيضَةِ الْإِسْلَامِ بِالْحَجِّ وَإِطْلَاقَهُ فِي الْبَاقِي وَأَمَّا عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ لِمُقَاضَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: لِأَنَّهَا قَضَاءٌ انْتَهَى. وَلَوْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهَا قَضَاءٌ لَمْ يَلْزَمْنَا مَحْذُورٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُهُ، وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ فِي وُجُوبِهِ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ صُدُّوا مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَاَلَّذِينَ اعْتَمَرُوا مَعَهُ كَانُوا نَفَرًا يَسِيرًا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الْبَاقِينَ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ قَالَهُ سَنَدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَمْ يَفْسُدْ بِوَطْءٍ إنْ لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ)
ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ حَلَّ لَهُ التَّحَلُّلُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَصَابَ النِّسَاءُ أَنَّهُ إنْ نَوَى أَنْ يَحِلَّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ فَسَدَ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ انْتَهَى.
قَالَ سَنَدٌ: وَهَذَا يَجْرِي عَلَى مَا سَلَفَ؟ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ حِلَاقٍ وَأَنَّ الْحِلَاقَ مِنْ سُنَّتِهِ، فَإِنْ نَوَى هَذَا أَنَّهُ تَحَلَّلَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَحْلِقُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ جَامَعَ بَعْدَ رَمْيِهِ وَإِفَاضَتِهِ، وَقَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ بِالْجِمَاعِ تَوَالِيَ نُسُكِهِ وَهَاهُنَا سَقَطَتْ الْمَنَاسِكُ رَأْسًا، فَسَقَطَ حُكْمُ تَوَالِيهَا.
(فَإِنْ قِيلَ) بَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ وَلَا التَّحَلُّلَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حِينَئِذٍ، وَلَا يُفْهَمُ حُكْمُهُ مِنْ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ (فَالْجَوَابُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّحَلُّلَ، فَقَدْ نَوَى الْبَقَاءَ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَنْوِ التَّحَلُّلَ مِنْهُ، فَتَأَمَّلْهُ.
ص (كَنِسْيَانِ الْجَمِيعِ)
ش: هَكَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْجَمِيعِ تَعَدَّدَتْ عَلَيْهِ الْهَدَايَا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ خَلِيلٌ: وَلَوْ قِيلَ إذَا نَسِيَ الرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِالتَّعَدُّدِ مَا بَعُدَ لِتَعَدُّدِ الْمُوجِبَاتِ كَمَا فِي الْعَمْدِ، وَكَأَنَّهُمْ لَاحَظُوا أَنَّ الْمُوجِبَ وَاحِدٌ لَا سِيَّمَا، وَهُوَ مَعْذُورٌ انْتَهَى. هَكَذَا رَأَيْتُ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْكَلَامَ مَنْسُوبًا لِلْمُصَنَّفِ، وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ التَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُ مَا فِي رَسْمِ الْعَارِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْعَمْدَ مِثْلُ النِّسْيَانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهُ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ يَقِفُ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَمْضِي عَلَى وَجْهِهِ إلَى بِلَادِهِ كَمْ عَلَيْهِ مِنْ دَمٍ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ إلَّا دَمًا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً ابْنُ رُشْدٍ أَجْزَأَهُ دَمٌ وَاحِدٌ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى قِيَاسًا عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَيُهْدِي هَدْيًا وَاحِدًا إذَا حَلَّ بِعُمْرَةٍ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَجِّ، وَقَدْ فَاتَهُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ هَدَايَا هَدْيٌ لِتَرْكِ الْجِمَارِ، وَهَدْيٌ لِتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى، وَهَدْيٌ لِتَرْكِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَهُوَ أَقْيَسُ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى رَمْيِ الْجِمَارِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ: أَنْ لَا يَبِيعَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَرِيضٍ أَفَاضَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَأْتِ مِنًى، وَلَمْ يَرْمِ الْجِمَارَ كُلَّهَا حَتَّى ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى قَالَ: أَرَى أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ هَذَا ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ مَنْ تَرَكَ الْجِمَارَ لِعُذْرٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ عَمْدٍ حَتَّى ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى أَنَّهُ يُهْدِي، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ