رَاكِبِ الْبَحْرِ بِالْمَرِيضِ إذَا رَكِبَهُ فِي حَالِ ارْتِجَاجِهِ فَقَيَّدَ الْحَالَةَ الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا بِأَنَّ أَمْرَ رَاكِبِ الْبَحْرِ فِي ثُلُثِهِ بِحَالَةِ الِارْتِجَاجِ فَأَعْلَمْهُ انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ التَّادَلِيُّ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِيهِ.
(تَنْبِيهٌ) نَقَلَ التَّادَلِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ مَا نَصُّهُ قَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحُجُّ فِي الْبَحْرِ إلَّا مِثْلَ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ الْبَرَّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ فِيهِ انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَنَدٍ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِالْكَرَاهَةِ الْمُتَقَدِّمُ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ كَلَامَ الْقَاضِي سَنَدٍ جَمِيعُهُ وَنَصُّهُ وَكَرِهَ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ فِي الْبَحْرِ إلَّا مِثْلَ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ الَّذِي لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا انْتَهَى.
فَتَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْحَجِّ لِمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهِ وَجَوَازُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. الثَّانِي سُقُوطُ الْحَجِّ عَمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ إلَّا مِنْ الْبَحْرِ.
الثَّالِثُ كَرَاهَةُ السَّفَرِ فِيهِ إلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ طَرِيقًا سِوَاهُ. وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] وَيَبْعُدُ أَنْ يَمُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ بِمَا حَظَرَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَبُحْهُ لَهُمْ وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ عِنْدَ أُمِّ حَرَامٍ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَرَضُوا عَلَى غُزَاةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ» الْحَدِيثَ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْبَحْرِ طَرِيقًا إلَى الْحَجِّ أَنْ لَا يَغْلِبَ الْعَطَبُ فِيهِ وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَضْيِيعِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ مِيدَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ كَزِحَامٍ وَضِيقٍ، أَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ لَا يَغْلِبَ الْعَطَبُ فِيهِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاسْتِطَاعَةِ الْأَمْنُ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ فَإِذَا غَلَبَ فِيهِ حَرُمَ رُكُوبُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ إذَا عَرَضَ الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الدِّينِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ فِي الِاسْتِطَاعَةِ خُصُوصًا إذَا جَعَلْنَا التَّشْبِيهَ فِي قَوْلِنَا كَالْبَرِّ رَاجِعًا لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسِيرِ مِنْ الْبَرِّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ وَأَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ اللُّصُوصِ وَأَصْحَابِ الْمُكُوسِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَرِّ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا لِذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّشْبِيهُ أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْأَمْنِ مِنْ اللُّصُوصِ وَأَصْحَابِ الْمُكُوسِ، وَهَذَا الْكَلَامُ أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْأَمْنِ مِنْ الْبَحْرِ نَفْسِهِ أَوْ يُقَالُ: التَّشْبِيهُ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ طَرِيقًا يَجِبُ سُلُوكُهُ فَقَطْ، وَأَفَادَ هَذَا الْكَلَامُ بَيَانَ شُرُوطِ رُكُوبِهِ، أَوْ يُقَالُ: لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَإِنْ فُهِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فُقِدَ فَقَدْ حَرُمَ السَّفَرُ حِينَئِذٍ فِي الْبَحْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَغَلَبَةُ الْعَطَبِ فِيهِ بِأُمُورٍ مِنْهَا: رَكُوبُهُ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ وَعِنْدَ هَيَجَانِهِ، قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: تَنْبِيهٌ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ فِي الْبَحْرِ أَنْ لَا يَرْكَبَ الْغَرَرَ الْمُتَّفَقَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ رَكُوبُهُ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ وَوَقْتَ هَيَجَانِهِ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي إكْمَالِهِ
(فَإِنْ قُلْت) فَعَيِّنْ لَنَا هَذَا الْوَقْتَ حَتَّى تَجْتَنِبَهُ، ((قُلْتُ)) قَدْ نَصَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْعَطَبُ امْتَنَعَ رَكُوبُهُ وَقَدْ نَصَّ الدَّاوُدِيُّ عَلَى أَنَّ مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ سُقُوطِهِ الثُّرَيَّا بَرِيءَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهَا كَوْنُ ذَلِكَ الْبَحْرِ مَخُوفًا تَنْدُرُ السَّلَامَةُ فِيهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنْ كَانَ الْبَحْرُ مَأْمُونًا يَكْثُرُ سُلُوكُهُ لِلتُّجَّارِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ بَحْرًا مَخُوفًا تَنْدُرُ السَّلَامَةُ مِنْهُ وَلَا يَكْثُرُ رَكُوبُ النَّاسِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ فَرْضَ الْحَجِّ انْتَهَى.
وَمِنْهَا خَوْفُ عَدُوِّ الدِّينِ أَوْ الْمُفْسِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) تَلَخَّصَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ الْعَطَبُ فِي الطَّرِيقِ حَرُمَ الْخُرُوجُ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ