مِنْ الزَّوْجَةِ الصَّدَاقُ إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُؤَخِّرَ الْحَجَّ حَتَّى يَجِدَ مَا يَحُجُّ بِهِ مِنْ الزَّادِ وَشِرَاءِ رَاحِلَةٍ أَوْ كِرَائِهَا إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ مُجْحِفٍ وَفِي الْبَرَاذِعِيّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي، وَيَنْبَغِي لِلْأَعْزَبِ يُفِيدُ مَا لَا أَنْ يَحُجَّ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ بِلَفْظِ يَنْبَغِي، وَقَالَ الْقَاضِي سَنَدٌ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ عَزَبًا فَيُفِيدُ مَا يَكُونُ كَفَافَ الْحَجِّ أَوْ التَّزْوِيجِ بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ قَالَ: يَحُجُّ وَلَا يَتَزَوَّجُ، وَكَذَلِكَ اخْتَصَرَهَا التُّونُسِيُّ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يَبْدَأُ بِالْحَجِّ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ، فَعَلَى قَوْلِهِ: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ يَكُونُ وَاجِبًا وَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي يَكُونُ مُسْتَحَبًّا وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ بَعْدَ الْقَوْلِ إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، إنْ قَدَّمَ التَّزْوِيجَ أَنَّهُ مَاضٍ وَلَا يَرُدُّ الْمَالَ مِنْ الزَّوْجَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ سَنَدٌ أَيْضًا فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْحَجِّ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِ تَبْدِئَةِ الْحَجِّ عَلَى غَيْرِهِ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَرُورَةٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا: عَلَى التَّرَاخِي وَعَلَى الْقَوْلِ: بِالْفَوْرِ، يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ فَيَبْدَأُ بِالتَّزْوِيجِ، فَإِذَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ فَنَكَحَ فَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ وَلَا يَنْزِعُ الصَّدَاقَ مِنْ الزَّوْجَةِ وَذَلِكَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ تَصَدَّقَ بِالْمَالِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ مَاضِيَةٌ وَالْبَيْعَ وَالْعِتْقَ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى شَرَائِطِهِ، وَيُجْرَحُ فِي بَابِ الْحَجِّ انْتَهَى.
وَيُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَوْلِهِ: وَيُجْرَحُ فِي بَابِ الْحَجِّ، أَنَّ ذَلِكَ جُرْحُهُ فِي شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْمَالِ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ قَالَ: وَأَمَّا التَّوْفِيرُ وَالْجَمْعُ لِيَصِيرَ مُسْتَطِيعًا فَلَا يَجِبُ وَقَالَهُ غَيْرُهُ هَذَا حُكْمُ الرَّجُلِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ قُلْنَا: لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا فَمَتَى قَدَرَتْ عَلَى الْحَجِّ وَعَرَضَ لَهَا النِّكَاحُ فَلَا تَنْكِحُ حَتَّى تَحُجَّ، فَإِنْ نَكَحَتْ قَبْلَهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ عَلَى شَرَائِطِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ مَنْعَهَا مِنْ الْحَجِّ فَلَا يُكْرَهُ لَهَا النِّكَاحُ انْتَهَى.
((قُلْتُ)) وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْفَرِيضَةِ.
(الرَّابِعُ) إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ لَمْ يُجَزْ لَهُ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ لِيَسْتَبْقِيَ مَا يَحُجُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَنْكِحُ مَعَ اسْتِطَاعَةِ الطُّولِ لِلْحُرَّةِ.
(الْخَامِسُ) لَوْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَخَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لَا فَضْلَ فِيهِمَا عَنْ كِفَايَتِهِ وَإِذَا بَاعَهُمَا وَجَدَ مَسْكَنًا وَخَادِمًا يَكْتَرِيهِمَا وَيَفْضُلُ لَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَعَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْحَجُّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَتُهُ عَلَى الدَّوَامِ أَوْ كَانَ حَاكِمًا وَعِنْدَهُ كُتُبٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا انْتَهَى.
يَعْنِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُ ذَلِكَ لِيَحُجَّ بِهِ وَلَوْ كَانَ يَجِدُ بِبَعْضِ ثَمَنِ الدَّارِ أَوْ الْخَادِمِ دَارًا أَوْ خَادِمًا دُونَهُمَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
(السَّادِسُ) لَوْ كَانَ ثَمَنُ الدَّارِ أَوْ الْخَادِمِ قَدْرَ كِفَايَةِ الْحَجِّ وَلَا يَجِدُ مَا يُكْتَرَى بِهِ لِأَهْلِهِ دَارًا وَلَا خَادِمًا كَانَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي النَّفَقَةِ، فَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي فَوْرِيَّةِ الْحَجِّ وَتَرَاخِيهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ قُلْنَا: الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يُنْظَرْ لِذَلِكَ كَمَا لَا يُنْظَرُ لِنَفَقَةِ الْأَهْلِ، وَإِنْ قُلْنَا: عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ الْحَقَّيْنِ كَانَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فِي مَالِهِ أَوْلَى مِنْ حَقِّ الْحَجِّ، كَمَا تَقُولُ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الْكَفَّارَةِ، انْتَهَى.
(السَّابِعُ) مَنْ كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ يَتَسَبَّبُ بِهَا وَيَأْكُلُ مِنْ رِبْحِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ يَعْنِي فَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخْشَى الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ.
(الثَّامِنُ) قَالَ سَنَدٌ: فَلَوْ كَانَتْ لَهُ بِضَاعَةٌ لَا يُحْسِنُ إلَّا التَّقَلُّبَ فِيهَا وَرِبْحُهَا بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ أَوْ ضَيْعَةِ غَلَّتِهَا بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُ ذَلِكَ وَصَرْفُهُ فِي الْحَجِّ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ فَقِيرًا وَقَدْ لَا يُحْسِنُ الِاكْتِسَابَ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّصَدُّقِ وَذِلَّةِ السُّؤَالِ وَذَلِكَ فَوْقَ ضَرَرِ الْمَشْيِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَنَحَ إلَيْهِ بَعْضُ