وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَوْ تَرَكَ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ خُشُونَةَ هَذَا اللَّفْظِ فِي مِثْلِ الْحَجِّ لَكَانَ أَحْسَنَ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الْأَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْبَابُ عِنْدَهُ غَيْرَ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى عِتْقِهِ وَإِلَى الْحَجِّ بِثَمَنِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ غَيْرَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ غَيْرَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَلِيهِ فَتَأَمَّلْهُ.
(الثَّالِثُ) قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا وَإِنَّمَا مَنْعُ ذَلِكَ مَنْ مَنَعَهُ يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ مَنَعَ مِنْ عِتْقِهِ، وَنَحْوُهُ لِلْقَاضِيَّ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ وَلَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَاخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ: وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا فَعِتْقُهُ جَائِزٌ فِي الْكَفَّارَةِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: هُوَ قَوْلُنَا وَقَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَحَكَى عَنْ قَوْمٍ مَنْعَ ذَلِكَ انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) حَدِيثُ وَلَدِ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَتَأَوَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ بِمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ أَبَوَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُنْسَبُ إلَى أَبَوَيْنِ وَهُوَ لَا يُنْسَبُ إلَى أَبٍ وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ: إنَّهُ شَرُّ الثَّلَاثَةِ إذَا عَمِلَ بِعَمَلِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أَعْلَمَتْهُ أُمُّهُ أَنَّهُ وَلَدُ زِنًا أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ حَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُفَّ عَنْ الْمِيرَاثِ مِنْ نَسَبِ أَبِيهِ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ وَإِلَّا كَانَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ قَالَ: وَقَدْ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى وُجُوهٍ هَذَا أَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ وَفِي آخَرِ كِتَابِ الزِّنَا مِنْ النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّمَا قِيلَ: شَرُّهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ كَانَ شَرَّهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَا انْتَظَرَ بِأُمِّهِ أَنْ تَضَعَ وَقَالَ عُمَرُ أَكْرِمُوا وَلَدَ الزِّنَا وَأَحْسِنُوا إلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا أَعْتِقُوا أَوْلَادَ الزِّنَا وَأَحْسِنُوا إلَيْهِمْ وَاسْتَوْصُوا بِهِمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ إنْ أَحْسَنَ جُوزِيَ وَإِنْ أَسَاءَ عُوقِبَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: وَلَدُ الزِّنَا خَيْرُ الثَّلَاثَةِ إذَا اتَّقَى اللَّهَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ شَرُّ الثَّلَاثَةِ، قَالَ: هَذَا شَيْءٌ قَالَهُ كَعْبٌ لَوْ كَانَ شَرَّ الثَّلَاثَةِ لَمْ يُنْتَظَرْ بِأُمِّهِ وِلَادَتُهُ.
وَحَدِيثُ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ زِنْيَةٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَعَمَ ابْنُ طَاهِرٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ قَالَ: وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ حَجَرٍ: قَدْ فَسَّرَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا عَمِلَ بِعَمَلِ أَبَوَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَنْ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ كَمَا يُقَالُ لِلشُّهُودِ بَنُو صُحُفٍ، وَلِلشُّجْعَانِ بَنُو الْحَرْبِ وَلِأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ بَنُو الْإِسْلَامِ، وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَفْظُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ وَلَدِ الزِّنَا فَقَالَ: نَعْلَانِ أُجَاهِدُ فِيهِمَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَا» وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَأَنْ أُحْمَلَ عَلَى نَعْلَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَا وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: وَلَدُ زِنْيَةٍ هُوَ بِكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا: وَلَدَ لِغَيَّةٍ فَاللَّامُ الْجَرِّ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا وَوَلَدَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَيُقَالُ فِي ضِدِّهِ وَلَدَ شِرَّةٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا.
(الْخَامِسُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَقِيلَ بِثَمَنِ كَلْبٍ يُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ فِي الْكَلْبِ: أَبِيعُهُ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَقَدْ شَهَرَهُ بَعْضُهُمْ لَكِنَّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْلُومُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ بِيعَ فَرَوَى أَشْهَبَ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَطُولَ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُفْسَخُ وَإِنْ طَالَ وَصَدَّرَ فِي الشَّامِلِ بِالْأَوَّلِ وَعَطَفَ الثَّانِيَ بِقِيلَ فَعَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ مَعَ الطُّولِ إذَا بَاعَهُ وَطَالَ الْأَمْرُ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِثَمَنِهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ شَخْصٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَكَانَتْ حَلَالًا لِمَالِكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِهَا إنْ كَانَ فِيهَا كِفَايَةٌ أَوْ كَمَّلَ بِهَا مَا عِنْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلْبِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا