الْحَجُّ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ انْتَهَى.

[تَنْبِيهَاتٌ حَجُّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ]

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَشْيُ مِنْ شَأْنِهِ وَعَادَتِهِ، وَهَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَهُ.

(الثَّانِي) يُشْتَرَطُ فِي الصَّنْعَةِ الَّتِي يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مَعَهَا أَنْ لَا تَزْرِيَ بِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِذِلَّةٍ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ عَادَتِهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: أَمَّا الْخُرُوجُ عَنْ عَادَتِهِ فِي الْمَشْيِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَتَهُ وَشَأْنَهُ فَغَيْرُ مُرَاعَى وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ وَالصَّحَابَةُ يَعُدُّونَ ذَلِكَ شَرَفًا وَإِنْ أَرَادَ التَّكَفُّفَ وَالسُّؤَالَ فِيمَنْ لَيْسَ ذَلِكَ شَأْنُهُ فَحَسَنٌ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: " بِذِلَّةٍ " مُتَعَلِّقٌ بِتَكَلُّفٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ قُدْرَةِ غَيْرِ مُعْتَادِ الْمَشْيِ عَلَيْهِ اسْتِطَاعَةً، قَوْلَا اللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيِّ مَعَ الْقَاضِي انْتَهَى.

((قُلْتُ)) وَافَقَهُمَا صَاحِبُ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَاَلَّذِي قَالَهُ بَيِّنٌ فَإِنْ قِيلَ: الْمَشْيُ فِي الْحَجِّ فَضِيلَةٌ، قُلْنَا: نَعَمْ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وَالْقَاضِي تَكَلَّمَ فِيمَا يَلْزَمُ انْتَهَى.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي مَنَاسِكِهِ اللُّزُومُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَأَمَّا كَوْنُ الصِّنَاعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ لَا تَزْرِيَ بِهِ فَظَاهِرٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَمَّا مَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَهُوَ حَاجٌّ وَلَا يَزْرِي ذَلِكَ بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) تَقْيِيدُهُ هُنَا الْأَعْمَى بِوُجُودِ الْقَائِدِ وَإِدْخَالُهُ عَلَيْهِ الْكَافَ أَحْسَنُ مِنْ تَرْكِهِ الْأَمْرَيْنِ فِي مَنَاسِكِهِ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَلَكِنْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَاكَ عَلَى مَا قَالَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) إذَا قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ بَعْضَ الطَّرِيقِ وَيَرْكَبَ الْبَعْضَ وَوَجَدَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا لَزِمَهُ الْحَجُّ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

(الْخَامِسُ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوبِ عَلَى الْقَتَبِ وَالزَّامِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الْمَحْمَلِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ قَالَ: وَلَوْ لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ الْعَظِيمَةُ فِي رُكُوبِ الْمَحْمَلِ أَيْضًا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الْكَنِيسَةِ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ: وَالْكَنِيسَةُ كَمَا قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ شِبْهُ الْهَوْدَجِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَهِيَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ بِجَوَانِبِ الْمَحْمَلِ عَلَيْهِ سِتْرٌ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَيُسَمَّى فِي الْعُرْفِ مَجْمُوعُ ذَلِكَ مَحَارَةٌ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُنُسِ وَهُوَ السِّتْرُ، وَمِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] أَيْ الْمَحْجُوبَةِ انْتَهَى.

(السَّادِسُ) أَطْلَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ تَحْصِيلِ الْمَرْكُوبِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُقَيِّدُوا ذَلِكَ بِوُجُودِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُمْ بِأَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا طُلِبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَنَصُّ ابْنِ جَمَاعَةَ وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَا الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَرْكُوبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَالْمُرَادُ عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ يَتَمَكَّنَ مِنْ تَمَلُّكِهِ أَوْ اسْتِئْجَارُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ زِيَادَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ فِي الزَّادِ: وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إنَّهُ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِشِرَاءٍ وَأَطْلَقُوا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَصْرِفُهُ فِي ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ فَاضِلًا عَنْهُ وَسَيَأْتِي بَيَانَهُ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الزَّادِ: وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ غَيْرَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ وَأَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ الدُّيُونِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إذَا كَانَ مَالُهُ دَيْنًا يَتَيَسَّرُ تَحْصِيلُهُ فِي الْحَالِ فَهُوَ كَالْحَاصِلِ فِي يَدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنْسَكِهِ: فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ إمَّا رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ فَقَدْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ انْتَهَى.

(السَّابِعُ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ: رَأَيْت لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ أَحَدٍ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ لَا دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015