مِنْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّحِيحُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ انْتَهَى.

وَلَعَلَّ الْقَوْلَ الْغَيْرَ الْمَشْهُورِ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ مُؤَلِّفُ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْعَاجِزِ وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ، هُوَ ظَاهِرُ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا اسْتِنَابَةَ لِلْعَاجِزِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَنْعِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَنُقِلَ أَنَّ الْقَادِرَ لَا يَسْتَنِيبُ اتِّفَاقًا وَإِجْمَاعًا: وَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ مِنْ شِرَاءِ الْحَجَّاتِ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا يَفْعَلُ فِي حَقِّ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ، وَفَعَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَامَ حَجَّ فَذَكَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى لِلْخَلِيفَةِ سُلْطَانِ إفْرِيقِيَّةَ الْأَمِيرِ أَحْمَدَ أَبِي الْعَبَّاسِ حَجَّةً انْتَهَى.

وَأَجَابَ سَيِّدِي الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْنِ الدِّينِ الْقَطَّانُ الشَّافِعِيُّ إمَامُ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَطِيبُهُ بِمَا نَصُّهُ الَّذِي رَضِيَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا مِنْ الْحَصْرِ الْخَاصِّ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إنْ أَيِسَ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ وَيَكُونُ كَالْمَعْضُوبِ فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِفِعْلِ النَّائِبِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ أَنَّ الْمُعْتَمِدَ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنَّ الْحَصْرَ الْخَاصَّ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِئْجَارُ عِنْدَ الْيَأْسِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(السَّادِسُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ اُنْظُرْ هَلْ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخُطُوَاتِ وَإِذَا فَعَلَ هَلْ يُجْزِئُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ انْتَهَى.

(قُلْت) أَمَّا الْإِجْزَاءُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَمَحَلُّ نَظَرٍ كَمَا قَالَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّابِعُ) شَمَلَ قَوْلُهُ: " وَأَمِنَ " عَلَى نَفْسِ الْأَمْنِ مِنْ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، وَالْأَمْنُ عَلَى الْبِضْعِ وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ. وَشَمَلَ قَوْلُهُ: " وَمَالُ الْأَمْنِ " عَلَى الْمَالِ مِنْ اللُّصُوصِ جَمْعُ لِصٍّ مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ السَّارِقُ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُحَارِبُ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقِتَالِ لِقَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ: لَا يَشُكُّ فِي اعْتِبَارِ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ، وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنْ كَانَ مِنْ لُصُوصٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ إلَى ضَيَاعِ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ انْتَهَى.

وَقَدْ يُطْلَقُ اللِّصُّ عَلَى الْمُحَارِبِ، وَأَمَّا السَّارِقُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِالْحِرَاسَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَجُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَشَمَلَ أَيْضًا كَلَامُهُ الْأَمْنَ عَلَى الْمَالِ مِنْ الْمُكَّاسِ وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ شَيْئًا مُرَتَّبًا فِي الْغَالِبِ، وَأَصْلُ الْمَكْسِ فِي اللُّغَةِ النَّقْصُ وَالظُّلْمُ وَيُقَالُ لَهُ الْعَشَّارُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْعُشُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ، وَمِنْهُ الرَّصَدِيُّ الَّذِي يَرْقَبُ النَّاسَ عَلَى الْمَرَاصِدِ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِهَا قَالَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَمَّا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الْمَكَّاسُ فِيهِ تَفْصِيلٌ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِمَا سَيَأْتِي، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَمْنِ عَلَى الْمَالِ مِنْ اللُّصُوصِ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الصَّادِقِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ مِنْ اللُّصُوصِ: هُوَ عُذْرٌ بَيِّنٌ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ مَا أَفْتَى بِهِ زَمَانًا، فَقَالَ: لَا يُنْجِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ مَالِكٌ إلَّا فِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْأَمْصَارِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَجَابَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَعَلَى الْمَالِ مِنْ لُصُوصٍ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى.

وَكَأَنَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُ مَا نَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الصَّادِقِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الصَّادِقِ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ جُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ عَبْدِ الصَّادِقِ وَجَعَلَهُ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً فَيُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يَتَحَدَّدُ أَوْ يَتَحَدَّدُ وَيُجْحِفُ فَلَا يَجِبُ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يُجْحِفُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015