التَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَأَمَرَهُ مَقْدُورُهُ وَإِلَّا نَابَ عَنْهُ إنْ قَبْلَهَا كَطَوَافٍ لَا كَتَلْبِيَةٍ وَرُكُوعٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَحْرَمَ عَنْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ فَإِنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ فِي فِعْلِهِ إنْ قَبِلَ ذَلِكَ الْفِعْلُ النِّيَابَةَ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ النِّيَابَةَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ كَالتَّلْبِيَةِ وَالرُّكُوعِ لِلْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ لِلطَّوَافِ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ. قَاعِدَةٌ إنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ الصَّبِيُّ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فَإِنْ قَبِلَ النِّيَابَةَ فَعَلَ عَنْهُ وَإِلَّا سَقَطَ انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ فِعْلِ الطَّوَافِ وَمَا أَشْبَهَهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَإِنَّ حَقِيقَةَ النِّيَابَةِ أَنْ يَأْتِيَ النَّائِبُ بِالْفِعْلِ دُونَ الْمَنُوبِ عَنْهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: نَابَ عَنَّى فُلَانٌ، أَيْ قَامَ مَقَامِي وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُطَافَ بِهِ وَيَسْعَى مَحْمُولًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: ضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مَا يُمْكِنُ الصَّبِيُّ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا فَعَلَهُ وَمَا لَا يُمْكِنُهُ مُسْتَقِلًّا فَعَلَ بِهِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ النِّيَابَةَ كَالرَّمْيِ فَعَلَ عَنْهُ وَإِلَّا سَقَطَ كَالتَّلْبِيَةِ وَالرُّكُوعِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَنَصُّهُ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ الصَّبِيُّ فَلَا يَفْعَلُ عَنْهُ، وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ وَالْأَصْلُ سُقُوطُهُ كَالتَّلْبِيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الرُّكُوعِ وَالْأَشْهَرُ سُقُوطُهُ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَقَالَ حَمْدِيسٌ وَغَيْرُهُ: يَرْكَعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ رُكُوعَ الطَّوَافِ جُزْءٌ مِنْ الْحَجِّ الَّذِي تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ انْتَهَى وَبَقِيَ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ بِأَنْ يَقُولَ: وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ وَقَبْلَ النِّيَابَةِ فَعَلَ عَنْهُ كَالرَّمْيِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْ الصَّبِيِّ اسْتِقْلَالًا وَلَا بِمُشَارَكَةٍ فَيَفْعَلُ عَنْهُ وَمَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ سَقَطَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيهَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ يُلَقَّنُ التَّلْبِيَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ لِصِغَرِهِ سَقَطَ حُكْمُ التَّلْبِيَةِ فِي حَقِّهِ كَمَا يَسْقُطُ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ الْكَبِيرِ وَإِذَا سَقَطَ وُجُوبُهَا رَأْسًا سَقَطَ حُكْمُ الدَّمِ عَنْهَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّلْبِيَةَ رُكْنٌ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يُلَبِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا يَنْوِي عَنْهُ انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ التَّلْبِيَةَ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَقَالَ الشَّارِحُ: لَا يُلَبِّي عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ الصِّرْفَةِ وَلَمْ يَعْمَلْ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِجَوَازِ الرُّكُوعِ عَنْهُ قَوْلٌ بِجَوَازِ التَّلْبِيَةِ عَنْهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَعْجُوزٌ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَمَّا كَانَ كَالْجُزْءِ مِنْ الطَّوَافِ، وَالطَّوَافُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ نَاسَبَ أَنْ يَرْكَعَ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ انْتَهَى.
وَفِي قَوْلِهِ إنَّ الطَّوَافَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ نَظَرٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ يُلَبِّي عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّلْبِيَةَ رُكْنٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْكَانَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَمَعَ ذَلِكَ يَنُوبُ عَنْهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ إلَّا بِهَا، وَالظَّاهِرُ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرْكَعُ عَنْهُ لِلطَّوَافِ أَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَرْكَانِ وَكَانَ الرُّكُوعُ مِنْ وَاجِبَاتِهِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَيُعِيدُ الطَّوَافَ لِأَجْلِهَا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ فَأُمِرَ بِالرُّكُوعِ عَنْهُ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الرُّكُوعَ لَمَّا كَانَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَإِلَّا لَرَجَعَ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَعَلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَرْكَعُ عَنْهُ الْإِحْرَامُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرْكَعُ عَنْهُ لِلطَّوَافِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ أَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَعَزَاهُ لِحَمْدِيسٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِحَمْدِيسٍ وَغَيْرِهِ.
(الثَّانِي) ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ فِي بَابِ الْحَجِّ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ الطَّهَارَةَ وَلَا يُمْتَثَلُ