تأمَّل قوله: «وقد خشينا أن تكون حسناتنا- وفي روايةٍ: طيِّباتنا- عجِّلت لنا»، يقول هذا وهو المبشَّر بالجنة! يقول هذا وهو الذي أنفق في سبيل الله ما أنفق! يقوله وهو لا يشكُّ في وعد الله ورسوله .. لكنَّ المؤمن ما دام نفسه يتردَّد، فهو يطير بجناحي الخوف والرجاء، حتى إذا اقتربت ساعة الرحيل، غلَّب جانب الرجاء بربِّه الذي وفَّقه للخير، وأمدَّه بالخير، وأنعم عليه وبسط في رزقه.
وفي هذه القصة: «فضل الزهد، وأنَّ الفاضل في الدِّين ينبغي له أن يمتنع من التوسُّع في الدُّنيا؛ لئلا تنقص حسناته، وإلى ذلك أشار عبد الرحمن بقوله: خشينا أن تكون حسناتنا قد عجِّلت لنا» (?).
وفي هذه القصة تواضع عبد الرحمن بن عوفٍ، حيث ذكر مصعب بن عميرٍ، وقال: إنَّه خيرٌ منِّي، مع أنَّ ابن عوفٍ ممَّن شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة!
إنَّهم الكبار حقًّا! إذا ازداد فضل الله على أحدهم، ازداد تواضعًا لربِّه، ألا ترى كيف دخل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة متواضعاً، منكِّسًا رأسه لله تعالى، معترفًا بفضله؟ وها هو تلميذه عبد الرحمن بن عوفٍ يكرِّر المعنى ذاته.
رضي الله عن عبد الرحمن بن عوفٍ، وجمعنا به في دار كرامته، ومع سادة أوليائه الذين أنعم عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
...