ثم أوصاهم بالتواصل والتحابِّ، فإنَّ هذا أحد أهمِّ أسباب القوة في المسلمين، الذين متى ما تفرَّقوا، سهل على العدوِّ أن يتسلَّط عليهم: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].

ثم ذكَّرهم بفضيلة من أصول الفضائل، ألا وهي الصِّدق مع من ولَّاه الله تعالى أمرهم؛ فإنَّ الصِّدق بين الحاكم والمحكوم، والرَّاعي والرعيَّة، هو الحبل الأوثق الذي يثمر مجتمعًا قويًّا، يطيع الله وينصح لولاته بالمعروف، ومتى دبَّ الغشُّ، وضعف النصح بين الطَّرفين، ظهرت آثار هذا على الأمَّة كلِّها، وما خبر الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - إلا مثالٌ واضحٌ على ما ذكره أبو عبيدة - رضي الله عنه -.

* ثم ختم وصيَّته بكلمة ترسم منهجًا للزهد الحقيقيِّ لمن عرف هذه الدُّنيا، فقال:

«ولا تلهكم الدُّنيا؛ فإنَّ أمرأً لو عمِّر ألف حولٍ، ما كان له بدُّ من أن يصير إلى مثل مصرعي هذا الذي ترون؛ إنَّ الله قد كتب الموت على بني آدم، فهم ميِّتون؛ فأكيسهم أطوعهم لربِّه، وأعملهم ليوم معاده».

إنَّها سنَّة الحياة، يسير الحيُّ في هذه الدُّنيا حتى يدخل من بوابة الموت، وليس هذا هو الشأن، بل الشأن في كيفية القدوم على الله تعالى!

إنَّ أعقل الناس وأكيسهم- كما يقول أبو عبيدة - رضي الله عنه - هو أطوعهم لربِّه، وأعملهم -أي: أكثرهم عملًا -ليوم معاده، فلذلك فليسع العاقل، وليجتهد العامل؛ ففي ذلك اليوم يظهر التغابن، نعوذ بالله من أن نكون مغبونين في الدُّنيا والآخرة!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015