وجفَّت الصُّحف» (?).
وثاني هذه الكلمات: «ولا يخافنَّ عبدٌ إلا ذنبه»؛ فإنَّ الله تعالى علَّق لحوق الآفات والمصائب بهذا، فقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. ولقد فقه هذا المعنى أكابر سلف هذه الأمَّة، ومن أجمع ما رأيته من كلامهم في التعبير عن هذه الحقيقة، قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين كتب إلى بعض عمَّاله: «عليك بتقوى الله في كلِّ حال ينزل بك؛ فإنَّ تقوى الله أفضل العدَّة، وأبلغ المكيدة، وأقوى القوَّة، ولا تكن في شيءٍ من عداوة عدوِّك أشد احتراسًا لنفسك ومن معك من معاصي الله؛ فإنَّ الذنوب أخوف عندي على الناس من مكيدة عدوِّهم، وإنَّما نعادي عدوَّنا ونستنصر عليهم بمعصيتهم، ولولا ذلك لم تكن لنا قوةٌ بهم؛ لأنَّ عددنا ليس كعددهم، ولا قوَّتنا كقوَّتهم، فإن لا ننصر عليهم بحقِّنا لا نغلبهم بقوَّتنا، ولا تكوننَّ لعداوة أحدٍ من الناس أحذر منكم لذنوبكم، ولا أشدَّ تعاهدًا منكم لذنوبكم» (?). اهـ.
وأمَّا الكلمة الثالثة التي تضمَّنتها هذه الموعظة البليغة من عليِّ - رضي الله عنه -، فهي: «ولا يستحي إذا سُئل عمَّا لا يعلم أن يقول: لا أعلم».
هذه سنَّةٌ ملائكيَّةٌ؛ فإن الملائكة حسن سألهم الله وكانوا لا يعلمون، قالوا: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32].
ولا أجد في بيان هذه الجملة خيرًا من ذكر بعض ما رُوي عن الإمام مالك رحمه الله، كما في القصة المشهورة التي رواها عبد الرحمن بن