وأظنُّ أنَّ وضوح هذه المعاني تعني عن الإفاضة في التعليق عليها، إلا أنَّ اللافت في هذا أنَّه جمع لتلميذه كُميلٍ بين اللذَّات الدُّنيويَّة التي يسعى لها عموم الناس، وهي: العلم وأهله، المال، حسن الذِّكر، ثم بيَّن له كيف تعود هذه الأمور الثلاثة على صاحبها بالغنيمة في الدُّنيا قبل الآخرة.
كما أنَّه أبدع حين عقد هذه المقارنة بين العلم والمال؛ حيث قال: «العلم خيرٌ من المال؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال ينقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق»، ومن الجميل في هذه المقارنة سهولة التعبير مع عمق المعنى، بالإضافة إلى وضوح الحجَّة العقليَّة فيها.
وشاهد هذه المقارنة في قول الإلبيريِّ في قصيدته الشهيرة:
وكنزٌ لا تخاف عليه لصًّا ... خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه ... وينقص إن به كفًّا شددتا
• ومن مواعظه المتينة - رضي الله عنه - قوله (?):
«حدِّثوا النَّاس بما يعرفون؛ أتحبُّون أن يكذَّب الله ورسوله؟!».
وهذا من المعنى الذي يوفَّق له العاقل من حملة العلم، فليس كلُّ علمٍ يلقى على الناس، دون مراعاةٍ لأحوالهم الزمانيَّة والمكانيَّة والعلميَّة!
ومن ذلك: التحدُّث بأحاديث مشكلةٍ لا تستوعبها عقول العامة؛ إمَّا لغموض معناها، أو لكونها منسوخةً، أو لغير ذلك من العوارض العلميَّة.