سادةً، فتمنعكم الأنفة عن الأخذ عمَّن هو دونكم فتبقوا جهَّالًا» (?).
لقد أشار الفاروق في موعظته هذه إلى داءٍ يسري في نفوس بعض الناس، كما بيَّنه الأئمَّة، ولكن ماذا يقال عمَّن حال دون تعلُّمه لا رياسةٌ ولا ولايةٌ ولا منصبٌ ولا جاهٌ، إنَّما هو الأنفة من أن يجلس للتعلُّم وهو كبيرٌ في السِّنِّ فقط؟!
إنَّ في تعلُّم أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لنموذجًا يُحتذى كما قال البخاريُّ رحمه الله، وإنَّ ممَّا يُزري بالرجل رضاه بجهله بأبسط أمور دينه التي يحتاجها، فلا يتعلُّمها ولا يسأل عنها!
ومن الصور التي يتألَّم الإنسان من تكرُّرها: أن ترى شابًّا - فضلًا عن شيخٍ كبيرٍ في السنِّ- يلحن في القرآن لحنًا عظيمًا، ومع ذلك يأبى أن يتعلَّم في حلق تحفيظ القرآن؛ خشية الجلوس بين يدي معلِّمٍ في سنِّ أبنائه!
• وقال الفاروق - رضي الله عنه - (?):
«التُّؤدة في كلِّ شيءٍ خيرٌ إلا ما كان من أمر الآخرة».
هذا تصحيحٌ من الفاروق لمفهومٍ قد يختلط على بعض الناس؛ ذلك أنَّ العرب اتَّفقت على ذمِّ العجلة من حيث الجملة، وكانت العرب تكنيها أمَّ النَّدامات، ولهم في ذلك الحكم المنثورة، والأشعار المشهورة، إلا أنَّ هذا المفهوم - كما يقول الفاروق - لا ينبغي أن يُجرى على أمر الآخرة، بل العجلة-أي: المبادرة-إليه محمودةٌ ومطلوبةٌ؛ لأنَّ الإنسان لا يدري متى ينقطع أجله، فعليه أن يبادر ولا يتأنَّى.