• ومن مواعظ ابن الزبير رضي الله عنهما:
ما رواه محمد بن عبد الله الثَّقفيُّ، قال (?):
«شهدتُّ خُطبة ابن الزبير بالموسم، خرج علينا قبل التَّروية بيومٍ، وهو مُحرمٌ، فلبَّى بأحسن تلبيةٍ سمعتُها قطُّ، ثمَّ حمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال:
«أمَّا بعد، فإنَّكم جئتم من آفاقٍ شتَّى، وفودًا إلى الله - عز وجل -، فحقٌّ على الله أن يكرم وفده، فمن كان جاء يطلب ما عند الله، فإنَّ طالب الله لا يخيب، فصدِّقوا قولكم بفعلٍ؛ فإنَّ ملاك القول الفعل.
والنية النية، القلوب القلوب، الله الله في أيامكم هذه! فإنَّها أيامٌ تغفر فيها الذُّنوب، جئتم من آفاقٍ شتَّى في غير تجارةٍ ولا طلب مالٍ ولا دنيا، ترجون ما هنا».
قال الثقفيُّ: «ثمَّ لبَّى ولبَّى الناس، فما رأيت يومًا قطُّ كان أكثر باكيًا من يومئذٍ».
ما أجمل الوعظ إذا صدر من أمير عامَّةٍ! وهكذا كانت موعظة عبد الله بن الزبير هذه، فإنَّه قالها حين كان أميرًا على الحجاز.
وإنَّ وضوح موعظته لَيُغني عن الإطالة في التعليق عليها، إلَّا أَّن في موعظته ما يستوقف قارئها، فهو يُؤكِّد على النية، وصلاح القلوب، وتلك - والله - هي الزاد للقاء علام الغيوب، وهي من أعظم أسباب إجابة الدَّعوات، وإغاثة اللَّهفات، وتفريج الكربات.
ويظهر في هذه الموعظة أيضًا: فقه ابن الزبير، حيث ذكَّرهم ورغَّبهم، وبيَّن لهم سعة رحمة الله تعالى، وأنَّ الكريم سبحانه لابدَّ أن