الله أكبر! يا لها من موعظةٍ تقرِّر سنَّةً إلهيَّةً من سنن الله في الخلق!
إنَّ البغي- وحقيقته: تجاوز الحدِّ في أخذ الحقِّ- يُبغضه الله، ولو كان بين غير مُكلَّفين، فكيف بالمكلَّفين؟! ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (لتؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة؛ حتَّى يُقاد للشَّاة الجلحاء، من الشَّاة القرناء) (?)، والقود فرعٌ عن الظلم والبغي، وهذا مأخذ قول ابن عباس هنا! الذي أراد أن يُقرِّر هذه الحقيقة من خلال ضرب المثل بجبلين أصمَّين غير مكلَّفين! على حدِّ قول الأوَّل:
قضى الله أنَّ البغي يصرع أهله ... وأنَّ على الباغي تدور الدَّوائر
والمقصود أن يحذر الإنسان من البغي؛ فإنَّ عاقبته وخيمةٌ، وفي الترمذيِّ، من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من ذنبٍ أجدر أن يعجِّل الله لصاحبه العقوبة في الدُّنيا- مع ما يَدَّخِر له في الآخرة- من البغي وقطيعة الرَّحم) (?).
والبغي الذي جاءت النصوص بالتحذير منه، يشمل بغي الجماعات بعضهم على بعض، وبغي الأفراد، قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10].