بلال بن سعدٍ: «لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظُر من عصيت!» (?).

نعم .. هكذا ينظر المؤمن الموفَّق لمسألة المعصية؛ لأنَّ الذي عُصِيَ هو الله، ومع يقيننا بأنَّ الذنوب ليست على درجةٍ واحدةٍ، لكنَّ المُحبَّ لا يُحِبُّ أن يُكدِّر حبيبه أدنى تكديرٍ، فكيف إذا كان هذا المحبوبُ هو ربَّ العالمين - جلَّ جلاله- وليَّ النِّعم كلِّها؟!

ولهذا عبَّر ابن مسعودٍ عن هذا المعنى بعمقٍ يليق بعلمه ورسوخه - رضي الله عنه - فقال: «إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه قاعدٌ تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ مرَّ على أنفه فقال به هكذا» (?)؛ أي: طرده بيده.

فتأمَّل كيف عبَّر ابن مسعودٍ عن تفاعل المؤمن والمنافق مع حدثٍ واحدٍ! وكيف تباين تفاعلهما إلى هذا الفرق الكبير! وما ذاك إلا أنَّه ليس لله في قلب المنافق وقارٌ يجعله يتألَّم من الذنب- كبيرًا كان أم صغيرًا.

قال ابن بطَّالٍ رحمه الله:

«إنَّما كانوا يعُدُّون الصغائر من الموبقات؛ لشدَّة خشيتهم لله وإن لم تكن لهم كبائر، ألا ترى أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إذا سُئل الشفاعة يوم القيامة يذكر ذنبه، وأنَّه كذب ثلاث كَذَبَاتٍ، وهي: قوله في زوجته: هذه أختي، وهي أخته في الدِّين، وقوله: إنِّي سقيمٌ؛ أي: سأسقم، وقوله: فعله كبيرهم هذا؛ يعني: الصَّنم، فرأى الخليل ذلك من الذنوب، وإن كان لقوله وجهٌ صحيحٌ، فلم يقنع من نفسه إلا بظاهرٍ يطابق الباطن، وهذا غاية الخوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015