وما أجمل ذلك التشبيه النبويَّ لحقيقة احتقار الذنوب وأثرها على العبد! الذي بيَّنه أفصح الخلق - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (إياكم ومُحقَّرات الذُّنوب؛ فإنَّما مَثَلُ مُحقَّرات الذُّنوب: كقومٍ نزلوا في بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ؛ حتَّى أنضجوا خبزتهم، وإنَّ مُحقَّرات الذُّنوب متى يؤخذ بها صاحبها، تهلكه) (?).
وروى أحمد عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إيَّاكم ومُحقَّرات الذُّنوب؛ فإنَّهن يجتمعن على الرَّجل حتَّى يُهلكنه) (?).
وحاصل هذا: أنَّ العبد إذا نظر إلى المعاصي التي تدخل تحت حدِّ الصغائر لا الكبائر، فربَّما استسهل الوقوع فيها! أو اعتمد فيها على عفو الله تعالى، فلا يلبث إلا أن يجد أثرها في اجتماعها المدمِّر؛ كالسَّيل العرم، لو جزَّأته لوجدتَّه نُقَطًا!
كان أحمد رحمه الله يمشي في الوحل ويتوقَّى، فغاصت رجله! فخاض وقال لأصحابه: هكذا العبد لا يزال يتوقَّى الذنوب، فإذا واقعها، خاضها! (?).
فمن نظر للذنوب على أنَّها أوساخٌ، توقَّاها وتجنَّبها ولو كانت صغارًا، فالوسخ يُؤثِّر ولو كان قليلًا، فإذا تراكم سوَّد الثياب.
لا تحقرنَّ من الذُّنوب أقلَّها ... إنَّ القليل إلى القليل كثير
وثمَّة معنًى أجُّل وأعظم، يراعيه أهل القلوب الحيَّة، وهو تعظيم أمر الله ونهيه، واستشعار مراقبته، ولسان حالهم كما قال التابعيُّ الجليل