لله أولئك الرجال ... إنَّهم أصحاب محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -! تأمَّل في إزرائهم على أنفسهم! وتأمَّل في خوفهم من لقاء ربِّهم!

وها هو عمرٌو- وقد قارب المئة- يطلب من ابن عباسٍ أن يعظه وقد رقَّ عظمه، ونحل جسده، وأدبر عن الدُّنيا، وأقبل على الآخرة!

وها هو ابن عباس يعلن عن مشاركته هذا الخوف حين قال: هيهات! صار ابن أخيك أخاك ... ولا يشاء أن يبكي إلا بكيت.

والمعنى: أنَّني لست صغيرًا، بل كبرت وصرت مثقلًا بالذنوب التي تبكي منها يا عمرو! فرضي الله عنهم وأرضاهم.

ما أحوجنا- ونحن أهل الغفلة والتقصير- أن نتأمَّل في أمثال هذه المواعظ التطبيقيَّة من أصحاب محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -! الذين لا كان ولا يكون مثلهم في بذلهم، وجهادهم، وتضحيتهم لهذا الدِّين، وهم مع هذا على خوفٍ عظيمٍ من ذنوبهم، وتقصيرهم في حقِّ مولاهم.

إنَّ أمثال هذه المواعظ ينبغي أن يكون أثرها علينا واقعًا عمليًّا، في الاستعداد ليوم الرحيل، والتخفُّف من الذنوب والآثام قبل النَّقلة المفاجئة التي لا نجد فيها وقتًا للاستعتاب والندم!

والسعيد - والله - من قدم على مولاه مُخفًّا من الذنوب والآثام، خفيف الظَّهر من حقوق العباد، أعاننا الله على ذلك بمنِّه وكرمه، وجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا أواخرها، وخير يومٍ لنا في حياتنا اليوم الذي نلقاه فيه.

هذه بعضٌ من مواعظ الصحابيِّ الجليل عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، وما زال للحديث صلةٌ، في المجلس القادم إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015