وأعرض عمَّا لا يعنيه، فمن حفظ هذه الوصيَّة دامت سلامته، وقلَّت ندامته، ولله درُّ القائل:
أرى كُلَّ إنسان يرى عيب غيره ... وَيَعمَى عن العيب الَّذي هو فيه
فلا خير فيمن لا يرى عيب نفسه ... وَيَعمَى عن العيب الَّذي بأخيه» (?).
يقول بكر بن عبد الله المُزنيُّ- أحد سادات التابعين رحمهم الله - مبيِّنًا معنى هذه الموعظة من أبي هريرة: «احملوا إخوانكم على ما كان فيهم، كما تحبُّون أن يحملوكم على ما كان فيكم، وليس كلُّ من رأيت منه سقطةً أو زلَّةً وقع من عينيك، فأنت أولى من يرى ذلك منه- إلى أن قال:- ولا تنظروا في ذنوب الناس كالأرباب، وانظروا في ذنوبكم كالعبيد، ولا تُعاهد القذاة في عين أخيك، وتدع الجذع في عينك معترضًا، والله ما عَدَلت!» (?).
ومن لطائف استنباط السلف لهذا المعنى من القرآن: قول قتادة في قوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14]، قال: إذا شئت - والله- رأيته بصيرًا بعيوب الناس وذنوبهم، غافلًا عن ذنوبه (?). اهـ.
وممَّا يدخل تحت هذا المعنى الذي ذكره أبو هريرة - رضي الله عنه -: ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقام المناظرات، وأنَّ بعض المنتصرين لأقوالهم يبلغ به التعصُّب مبلغًا «يرى القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع المعترض في عينه، ويذكر من تناقض أقوال غيره، ومخالفتها للنصوص والمعقول- ما يكون له من الأقوال في ذلك الباب