لكأنِّي بذلك السائل الذي سأل سلمان - رضي الله عنه - أراد إحراجه، أو أراد أن يستنطقه ليرى رأيه في هذه الأحساب والأنساب التي يتفاخر بها الناس، فأجابه بهذا الجواب الذي يخرسه إن كان شامتًا، وينفعه إن كان راغبًا.
وصدق سلمان: «وإن خفَّت موازيني، فما ألأم حسبي، وما أهونني على ربِّي!»!
وأيُّ شيء نفع أبا لهبٍ أن كان عمَّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حين أُدخلت روحه النار منذ فارق هذه الحياة، وفي الآخرة أشدُّ وأدهى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد: 1 - 5]؟!
وماذا ضرَّ زيد بن حارثة أن كان مولًى من موالي نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، ويختصُّ بأن يكون حِبَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يكون الصحابيَّ الوحيد الذي ذُكر اسمه في القرآن الكريم؟!
وكذلك يُقال في حقِّ بلالٍ - رضي الله عنه -، وصدق الشاعر حين قال:
خذلت أبا جهلٍ أصالته ... وبلالٌ عبدٌ جاوز السُّحبا
وقريبٌ من هذا المعنى الذي قرَّره سلمان - رضي الله عنه - أنَّ أبا الدرداء لمَّا كتب إلى سلمان الفارسيِّ: أن هلُمَّ إلى الأرض المقدَّسة، فكتب إليه سلمان: إنَّ الأرض لا تقدِّس أحدًا؛ وإنَّما يقدِّس الإنسان عملُه.
وصدق - رضي الله عنه - ... إنَّما يقدِّس الإنسان عملُه، وهو الذي عليه مدار الحساب، والنجاة أو الهلاك، فلينظر كلُّ واحدٍ في عمله، ولا يركننَّ إلى ما لا ينفعه يوم يلقى الله - عز وجل - بل قد يضرُّه.