في التعامل مع جواذب الدُّنيا، وفِتَنها التي تأسر لُبَّ الأكثرين، ولا يتفطَّن لحقيقتها إلا أولو العلم والإيمان، كما قال سبحانه- في شأن قارون، وكيف تصدَّى أهل العلم لبيان فتنة غِناه، الذي بهر عقول الكثيرين-: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 79، 80].
فيا كلَّ أخٍ وأختٍ فاته من الدُّنيا ما فاته! وتطلَّعت نفسه لما في أيدي الأغنياء، أو تصدَّع فؤاده على ما يراه في أيدي الأثرياء، تذكَّر هذه الحقيقة: «ولا تغبط الحيَّ إلا بما تغبط الميِّت»، واعلم أنَّ الدُّنيا لو كانت كريمةً على الله، لما زواها عن أحبِّ الخلق إليه؛ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعن عامَّة أوليائه.
وفي الوقت ذاته، فإنَّ حيازة الدُّنيا ليست مذمومةً مُطلقًا- كما تقدَّم - وإنَّما تُذُّم إذا ألهت عن واجبٍ، أو أدَّت إلى الوقوع في المنهيَّات؛ ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا حسد إلَّا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللَّيل وآناء النَّهار، ورجلٌ آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء اللَّيل وآناء النَّهار) (?).
ومن أراد أن يقرأ درسًا في الزهد الحقيقيِّ مع توافر الدُّنيا مع العبد، فليتدبَّر قصة نبيِّ الله سليمان - عليه الصلاة والسلام- وخاصةً في سورة (ص)، ففيها دروسٌ وعبرٌ.
والمقصود أنَّ الموفَّق من عرف حقيقة الدُّنيا؛ فزهد فيها الزهد