فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يربِّي أمَّته على قبول الحقِّ وإن جاء من الشيطان، فكيف بغيره؟! فقال: (أما إنَّه قد صدقك وهو كذوبٌ).
وعلى هذا المنهج- وهو قبول الحقِّ ممَّن جاء به- سار أئمة العلم والعمل؛ لأنَّ قبول الحقِّ ممن جاء به، وردَّ الباطل ممَّن جاء به- هو علامة التجرُّد.
أتى رجلٌ ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال له: إنِّي منطلقٌ، فزوِّدني؟ فقال له: «اقبل الحقَّ من البغيض البعيد، وأنكر المنكر على الحبيب القريب» (?).
وقد سُئل الفضيل بن عياضٍ عن التواضع، فقال: «يخضع للحقِّ وينقاد له، ويقبل الحقَّ من كلِّ من يسمعه منه» (?).
وأمَّا الجزء الثاني من موعظة أُبيٍّ - رضي الله عنه -، فهو قوله: «وآخ الإخوان على قدر تقواهم، ولا تغبط الحيَّ إلا بما تغبط الميِّت».
وهذه الوصية مقتبسةٌ من نور القرآن الكريم؛ فإنَّ كلَّ الصداقات الدُّنيويَّة ستنقلب يوم القيامة إلى عداوةٍ، كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
وأمَّا قوله: «ولا تغبط الحيَّ إلا بما تغبط الميِّت»؛ أي: انظر ما الذي يُغبط به الميِّت؟ والجواب بلا ريبٍ: هو العمل الصالح، فكذلك: إذا رأيت على أحدٍ نعمةً دنيويَّةً، أو مالًا، أو جاهًا، أو غير ذلك ممَّا يُغبط به الأحياء، فتذكَّر ما الذي يُغبط به هذا الإنسان لو مات الآن؟!.
إنَّها تربيةٌ عمليَّةٌ نفسيَّةٌ من هذا الإمام الجليل أُبيِّ بن كعبٍ - رضي الله عنه -