البراءة للدِّين والعرض، الذي قد يلحقه طعنٌ فيهما بسبب تقحُّمه لموارد الشُّبه! وهو الذي عناه ابن عمر في موعظته هذه.
وهذا المعنى، ورد فيه الحديث المشهور: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (?) وهو مع ما فيه من كلامٍ من جهة إسناده؛ إلا أنَّه معنًى اتَّفق الصحابة عليه.
ومن المهمِّ جدًّا- ونحن نتحدَّث عن الورع- أن نذكر ضابطه؛ حتى لا يختلَّ الميزان، ومن أحسن من وقفت على كلامٍ له في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول:
«الورع المشروع هو: الورع عمَّا قد تخاف عاقبته، وهو ما يعلم تحريمه، وما يشكُّ في تحريمه، وليس في تركه مفسدةٌ أعظم من فعله - مثل محرَّمٍ معيَّنٍ- مثل: من يترك أخذ الشُّبهة ورعًا مع حاجته إليها، ويأخذ بدل ذلك محرَّمًا بيِّنًا تحريمه! أو يترك واجبًا، تركه أعظم فسادًا من فعله مع الشُّبهة؛ كمن يكون على أبيه أو عليه ديونٌ هو مطالبٌ بها، وليس له وفاءٌ إلا من مالٍ فيه شبهةٌ، فيتورَّع عنها ويدع ذمَّته أو ذمَّة أبيه مرتهنةً!» (?). اهـ.
وبالجملة، فإنَّ الدِّين عظيمٌ، والحرص على سلامته علامة توفيقٍ وإيمانٍ، والتهاون في باب الورع يوشك أن يُوقع في الحرام مع مرور الزمن؛ ولهذا كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إنِّي لأحبُّ أن أدع بيني وبين الحرام سُترةً من الحلال لا أخرقها.