- وعلى رأسهم الصحابة - رضي الله عنهم - مع كتاب الله تعالى، حيث التأثُّر الحقيقيُّ، وليس مجرد دموعٍ تنزل على الخدود، بل هو خشيةٌ تبدأ في القلب، فتترجمها الدموع والعمل.
ولكأنِّي بابن عمر- وهو يتلو هذه الآية- يستشعر قيامه من قبره، حافيًا عاريًا كما خلقه الله! فهو يدرك أنَّه داخلٌ في عموم {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}. وليس هذا الموقف هو الموقف الوحيد لابن عمر مع التأثُّر بالقرآن، النابع من التدبُّر؛ بل له مع ذلك مواقف أخرى؛ منها.
* ما حدَّث به نافعٌ مولى ابن عمر فقال: ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قطُّ من آخر سورة البقرة إلا بكى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] إلى آخر الآية ثمَّ يقول: «إنَّ هذا لإحصاءٌ شديدٌ» (?).
*وقال نافعٌ أيضًا: «كان عبد الله بن عمر إذا قرأ هذه الآية: {أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16]، بكى حتى يغلبه البكاء» (?).
*وشرب عبد الله بن عمر ماءً مبردًا، فبكى فاشتدَّ بكاؤه، فقيل له: ما يبكيك؟! فقال: ذكرت آيةً في كتاب الله - عز وجل -: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54]، فعرفت أنَّ أهل النار لا يشتهون شيئًا شهوتهم الماء، وقد قال الله - عز وجل -: ... {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: 50] (?).