فتزهَّدوا، وما فهموا المقصود، فظنُّوا أنَّ الدُّنيا تذمُّ لذاتها، وأنَّ النفس تجب عداوتها، فحملوا على أنفسهم فوق ما يطاق، وعذَّبوها بكلِّ نوعٍ، ومنعوها حظوظها! جاهلين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ لنفسك عليك حقًّا)، وفيهم من أدَّته الحال إلى ترك الفرائض، ونحول الجسم، وضعف القوى! وكلُّ ذلك لضعف الفهم للمقصود، والتلمُّح للمراد» (?). اهـ.
إذًا .. ما الزهد الذي جاءت النصوص بمدحه والثناء على أهله؟
فيقال هو: «ترك الفضول التي لا يستعان بها على طاعة الله - من مطعمٍ وملبسٍ ومالٍ وغير ذلك- كما قال الإمام أحمد: إنَّما هو طعامٌ دون طعامٍ، ولباسٌ دون لباسٍ، وصبر أيامٍ قلائل» (?).
والعاقل هو من يدرك «أنَّه في الدُّنيا ضيفٌ، وما في يده عاريَّةٌ، وأنَّ الضيف مرتحلٌ، والعاريَّة مردودةٌ (?)، والدُّنيا عرضٌ حاضر، يأكل منها البرُّ والفاجر، وهي مبغَّضةٌ لأولياء الله، محبَّبةٌ لأهلها، فمن شاركهم في محبوبهم أبغضوه» (?).
وتتجلَّى في هذه الوصيَّة من ابن عمر: أهمية قصر الأمل، وقد قيل: من قصر أمله، أكرمه الله تعالى بأربع كراماتٍ:
إحداها: أن يقوِّيه على طاعته، لأنَّ العبد إذا علم أنَّه يموت عن قريبٍ