وأمَّا من أعاتب؟ فالحديث في عتاب الصَّديق الذي عقدتَّ بينك وبينه وشائج المودَّة، ويعزُّ عليك ما يقع منه من خطأٍ، وكذلك العتاب لشخصٍ لك به صلةٌ- كخادمٍ وزوجٍ أو قريبٍ- أمَّا عامَّة المعارف، فليس من العقل ولا الحكمة توجيه اللوم لهم، بل تغافل عنهم.
أمَّا كيف أعاتب؟ فما أجمل التلطُّف في العتاب، واللين في العبارة!
ولعلَّك تتعجَّب- كما تعجَّبت- من حديث أنس - رضي الله عنه - الذي قال فيه: «خدمت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي: أفٍّ، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت؟»! (?).
فهذا خادمٌ، وصغير السنِّ جدًا حين بدأ خدمة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان عمره عشر سنواتٍ، وكلاهما - صغر السنِّ والخدمة - مظنَّة الخطأ المتكرِّر، ومع هذا فلا يسمع منه أنسٌ طيلة السنوات العشر حتى كلمة (أفٍّ)! صلوات ربِّي وسلامه عليه.
وإذا عتبت على امرئٍ أحببته ... فتوقَّ ظاهر عيبه وسبابه
وألن جناحك ما استلان لودِّه ... وأجب أخاك إذا دعا بجوابه
ومن حقِّ الأخ أن تغفر هفوته، وتستر زلَّته؛ فمن رام بريئًا من الهفوات، خاليًا من الزَّلات، رام مُحالًا!
وماذا بعد العتاب؟ وهو سؤالٌ مهم يجب تأمُّله قبل إلقاء اللَّوم والمعتبة؛ فإنَّ بقاء الصَّديق الصَّدوق، كثير الفضائل- على علَّةٍ فيه- خيرٌ من خسارته بسبب عتابٍ قد لا يحتمله، أو يفهمه على غير وجهه، وقد