أجلي، ودنت منيَّتي، سأقول هذه الكلمة؟! الجواب المبكِّر عن هذا السؤال: من حفظ الله في الرخاء، فلن يتركه في الشِّدَّة، ومن أشدِّ الأوقات التي يحتاج فيها الإنسان للحفظ لحظات الاحتضار، وقرب القدوم على الواحد القهَّار، ومفارقة هذه الدَّار!
ثمَّ قال -كالمعتذر عن الفطرة المغروسة في النفوس -: «اللَّهمَّ إنَّك تعلم أنِّي لم أكن أحبُّ الدُّنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالرُّكب عند خلق الذِّكر».
إنَّ حبَّ الدُّنيا وكراهية الموت بالقدر المعقول شيءٌ فطريٌّ لا يُنكر بل لا يعاب به الإنسان، كما يبيِّن ذلك حديث عائشة المتَّفق عليه، عنه - صلى الله عليه وسلم -: (من أحبَّ لقاء الله، أحبَّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه)، فقلت: يا نبيَّ الله، أكراهية الموت؟ فكلُّنا نكره الموت؟! فقال: (ليس كذلك، ولكنَّ المؤمن إذا بشِّر برحمة الله ورضوانه وجنَّته، أحبَّ لقاء الله، فأحبَّ الله لقاءه، وإنَّ الكافر إذا بشِّر بعذاب الله وسخطه، كره لقاء الله، وكره الله لقاءه) (?).
وهكذا كان معاذٌ - رضي الله عنه -؛ فهو لم يكن يحبُّ البقاء في الدُّنيا لشيءٍ يتعلَّق به عامَّة أهل الدُّنيا، بل كان يحبُّ البقاء لغرضٍ شريفٍ، وهو كثرة العمل الصالح الذي يزيد الإنسان من الله تعالى قربةً ومحبةً، ونعم الأمنيَّة هذه: «لم أكن أحبُّ الدُّنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركُّب عند حلق الذِّكر»!