كما أنَّه يشير بذلك إلى أنَّ بعض متَّبعي السُّنَّة قد يكون غريبًا في بلده الذي يسكنه بسبب اتِّباعه للسُّنَّة، فلا يجوز أن يحمله ذلك على ترك السُّنَّة من أجل تجمهر الناس حوله، فالعبرة بالحقِّ ولو كنت وحدك، كما قال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: «الجماعة ما وافق الحقَّ ولو كنت وحدك» (?).
* ثم قال معاذٌ - رضي الله عنه - في تتمة موعظته هذه:
«وأحذِّركم زيغة الحكيم! فإنَّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقِّ»، قال: قلت لمعاذٍ: ما يدريني -رحمك الله - أنَّ الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأنَّ المنافق قد يقول كلمة الحقِّ؟! ولا يثنينَّك ذلك عنه؛ فإنَّه لعلَّه أن يراجع، وتلقَّ الحقَّ إذا سمعته؛ فإنَّ على الحقِّ نورًا».
وهذه الموعظة من معاذٍ بليغة المعاني، وعميقة الدَّلائل؛ فإنَّ من الفتن التي تخفى على كثيرٍ من الناس: زلَّة العالم، والتي ينقسم الناس فيها -غالبًا-ثلاثة أقسامٍ:
قسمٌ لا يقبل في شيخه أيَّ نقدٍ ولا ملاحظةٍ! وقسمٌ ضدُّهم: لا يغفرون لعالم زلَّةً، ويسقطونه من أول سقطةٍ! وكلا هذين القسمين مائلٌ عن الحقِّ، والحقُّ في التوسُّط بينهما، وهو الذي أشار إليه معاذٌ - رضي الله عنه - وهو الاحتفاظ بقدره، وعدم تقليده في زلَّته وخطئه، فهذا هو ميزان القسط والعدل.
قال الإمام أبو عمر بن عبد البرِّ رحمه الله: «وشبَّه العلماء زلة العالم