«ولقد صدق؛ فإنَّ أكثر معروفات هذه الأعصار منكراتٌ في عصر الصحابة - رضي الله عنهم -» (?).
وكلمة حذيفة هذه تلتقي تمامًا مع كلمةٍ لأنسٍ - رضي الله عنه -: «إنَّكم لتعملون أعمالًا هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعر، إن كنا لنعدُّها على عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات» (?)، بوَّب عليه البخاريُّ بقوله: باب ما يتَّقى من محقَّرات الذُّنوب.
وسبب ذلك: «أنَّ معرفة الصحابة بجلال الله أتمُّ، فكانت الصغائر عندهم -بالإضافة إلى جلال الله تعالى -من الكبائر» (?).
وما أشار إليه حذيفة يدركه المشاهد لواقع الناس بلا تكلُّفٍ والشأن كلَّ الشأن في المعنيين الأخيرين اللذين ذكرهما حذيفة، وهما:
1 - عدم خفاء الحقِّ، ومعرفته، وألا ينقلب المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا؛ ولهذا لمَّا قيل للإمام أحمد رحمه الله في أيام المحنة: يا أبا عبد الله، أولا ترى الحقَّ كيف ظهر عليه الباطل؟ قال: كلَّا، إنَّ ظهور الباطل على الحقِّ أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحقِّ (?).
وأمَّا المعنى الثاني الذي نبَّه عليه حذيفة، فهو:
2 - معرفة قيمة العالم، وعدم الاستخفاف به، يقول ابن المبارك رحمه الله: «من استخفَّ بالعلماء، ذهبت آخرته» (?)، ومن الكلمات السائرة كلمة ابن عساكرٍ رحمه الله: «لحوم العلماء مسمومة،