• ومن مواعظه قوله - رضي الله عنه - (?):
«إيَّاكم والفتن لا يشخص لها أحدٌ، والله ما شخص فيها أحدٌ إلا نسفته كما ينسف السيل الدِّمن، إنَّها مشبهةٌ مقبلةً، حتى يقول الجاهل: هذه تُشبه مُقبلة، وتتبيَّن مُدبرة، فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم، وكسِّروا سيوفكم، وقطِّعوا أوتادكم».
حين يتحدَّث حذيفة - رضي الله عنه - عن الفتن فهو يتحدَّث عنها حديث الخبير البصير، كيف وقد أدرك أوائلها، وعرف مداخلها ومخارجها؟! حتى قال: «والله، إنِّي لأعلم الناس بكلِّ فتنة هي كائنةٌ فيما بيني وبين الساعة، وما بي إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسرَّ إليَّ في ذلك شيئًا لم يحدِّثه غيري، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يحدِّث مجلسًا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يعدُّ الفتن: (منهنَّ ثلاثٌ لا يكدن يذرن شيئًا، ومنهنَّ فتنٌ كرياح الصَّيف، منها صغارٌ، ومنها كبارٌ)، قال حذيفة: فذهب أولئك الرَّهط كلُّهم غيري» (?).
وتتلخَّص وصية حذيفة هنا -عند وقوع الفتنة -ألَّا يشخص لها، ولا يبرز لها، ولا يخوض فيها؛ فهي بمثابة البحر الذي انفجر، والسيل الذي انهمر، وما الذي يتوقَّع من مصير من يواجه البحر إذا انفجر، والسيل إذا انهمر؟! سيجرفه جرفًا، وينسفه نسفًا، كما ينسف السيل إذا لاقى الدِّمن -وهي آثار البعر-!
وقد أشار حذيفة - رضي الله عنه - إلى معنًى مهمٍّ جدًّا عند حدوث الفتنة، وهو: أنَّها تشتبه على أكثر الناس، فيختلط الحقُّ بالباطل، والصواب