فيه، وكثرة ما روى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولعلَّ مواعظة -التي سنشير إلى شيءٍ منها -توضح هذه الحقيقة، فمن ذلك:
• ما روى البيهقيُّ في الشُّعب (?) من طريق موسى بن إسحاق الطَّلحيِّ، قال:
اجتهد الأشعريُّ قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك بعض الرِّفق! قال: «إنَّ الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقلُّ من ذلك».
قال: فلم يزل على ذلك حتى مات.
يا لها من موعظةٍ عمليَّةٍ من أبي موسى - رضي الله عنه -! قرنها بموعظةٍ قوليَّةٍ؛ فاجتمع فيها القول والعمل، وهذا غاية ما يكون من التأثير في المواعظ التي تُنقل عن العلماء.
لقد كان أبو موسى من علماء الصحابة - كما أسلفت - وكان على قدرٍ كبيرٍ من العمل، لكنَّه لمَّا تقدَّمت به السنُّ، وأحسَّ بدنوِّ الأجل، رأى أنَّ خير عُدَّةٍ للقاء الله هي الاجتهاد في العمل، فلمَّا عُوتب في هذا، وطلبوا منه أن يرفق بنفسه، أجابهم بهذه الكلمة الحكيمة: «إنَّ الخيل إذا أُرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقلُّ من ذلك».
وإذا كان المطلوب من المؤمنين عمومًا الاجتهاد في العمل -لأنَّ الإنسان لا يدري متى يفجؤه الأجل -فإنَّه متعيِّنٌ ومتأكِّدٌ في حقِّ من تقدَّمت بهم السنُّ، واقتربوا من الآخرة، فماذا ينتظر من جاوز الستِّين؟ فضلًا عمَّن جاز السبعين والثمانين! بل قال بعض السلف -وهو عبد الله بن