أيها العبد: راقب من يراك على كل حال، وما زال نظره إليك في جميع الأفعال، وطهر سرك فهو عليم بما يخطر بالبال، المراقبة على ضربين، مراقبة الظاهر لأجل من يعلم، وحفظ الجوارح عن رذائل الأفعال، واستعمالها حذراً ممن يرى، فأما مراقبة الباطن فمعناها أدب القلب من مساكنة خاطر لا يرضاه المولى، وأجد السير في مراعاة الأولى، وأما مراقبة الظواهر فهي ضبط الجوارح عن رذائل الأفعال، واستعمالها في معالي الأعمال، فمن كان مقامه المراقبة فحال المحاسبة.
قال سري: الشوق والأنس يرفرفان على قلب فكان هناك الإجلال والهبية حلاً ولارحلاً، ومن ظهر الخشوع على قلبه دخل الوقار على جوارحه.
قال حاتم الأصم: إذا علمت فانظر نظر الله إليك، وإذا شكرت فاذكر علم الله فيك.
وقال أبو الفوارس الكرماني: من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال لم تخطىء، له فراسة:
كان رقيباً منك يرعى خواطري ... وآخر يرعى ناظري ولساني
فما نظرت عيناي بعدك منظراً ... لعمرك إلا قلت: قد رمقاني
ولا بدرت من في بعدك لفظةً ... لغيرك إلا قلت: قد سمعاني
ولا خطرت في ذكر غيرك خطرةً ... على القلب إلا عرجا بعنان
وفتيان صدق قد سمعت كلامهم ... وعفف عنهم خاطري وجناني
وما الدهر أسلا عنهم غير أنني ... أراك على كل الجهات تراني