الفصل الثامن عشر: تذكر يا عامل

يا من له قلب ومات، يا من كان له وقت وفات، أشرف الأشياء قلبك ووقتك، فإذا أهملت قلبك وضيعت وقتك: فقد ذهبت منك الفوائد، أو كنت تبكي على ما فات فابك على وقتك:

ويبكي على الموتى ويترك نفسه ... ويزعم أن قد قل عنها عزاؤه

ولو كان ذا رأي وعقل وفطنة ... لكان عليه لا عليهم بكاؤه

رئى سمنون يوماً على شاطىء دجلة وبيده قضيب يضرب به فخذه حتى تبدد لحمه وهو يقول: كان لي قلب أعيش به ضاع مني في تقلبه، رب فاردده على، فقد عيل صبري في تطلبه، وأغث ما دام لي رمق يا غياث المستغاث به، ابك على وقت كان قد صفا، وعلى قلب صار كالصفا، وعلى زمان تبدل فيه الوصل بالجفا، وعلى ربع خلا من اليقظة وعفا:

منازل كنت أهواها وآلفها ... أيام كنت على الأيام منصوراً

ما تتوقى في سمين بدنك حتى نسيت إدراجك في كفنك، ولا متعت نفسك بمواعيد المنى إلا بعد أن أسرك حب الهوى، أما وعظك الزمان من بسطه وقبضه؟ أما أجد لك بجديد بعد الاعتبار ببعضه، أما تدرك الحين من طوله وعرضه، ياعجباً كيف التذ حامل بغمضة؟ وكم طيل يوم ما أدى بعض فرضه، أما تعلم أن الممات والحساب أمامك فتهيأ للرحيل، وأصلح خيامك، واحفظ مقالتي واقطع قطع المدى مدامك، واجتهد أن تنشر الإخلاص في المحل إلا على أعلامك، وصل صلاتك في الدجي، واهجر للمنام منامك، ولا تترك ولو بت الليل عاصياً صيامك، وأحضر قلبك وسمعك، وإن قلا من لامك، وأفق في زمان الإمكان قبل انثات العرى غرامك، واقطع بسيف التقى كما يقطع الكلام كلامك، وإياك والقتور فإني أرى الدواء دوامك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015