فاعتبرْ بِمَنْ مَضَى مَن المُلُوكِ والزُهَّادِ، أَيْنَ لَذَّةُ هَؤلاءِ وأَيْنَ تَعَبُ أولئك؟ بَقِيَ الثوابُ الجزيلُ، والذِكرُ الجميلُ لِلصَّالِحينَ، والمقالةُ القَبِيحَةُ والعقابُ الوبيلُ لِلعاصِين.
وكَأَنَّه ما جَاعَ مَن جَاعَ وَلا شَبعَ مَن شَبعَ، واعْلَمْ أنَّ الكَسَلَ عن الفضائِل بِئسَ الرَّفِيقِ، وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة، فانتبه واتعب لنفسك.
واعلم أَنَّ طَلَبَ الفَضائِل نِهَايَةُ مُرَادِ المُجْتَهِدين، ثم الفضائلُ تَتَفاوتُ، فَمِن الناسِ مَن يَرى الفضائلَ الزُهْدَ في الدنيا، ومنهم مَن يراهَا التَّشَاغُلَ بالتعبدِ، وعلى الحقيقةِ فَليستَ الفضائلُ الكاملةُ إلا الجمع بينَ العلم والعمل.
شِعْرًا:
حَيَاةُ الفَتَى والله بالعلِمِ والتّقُىَ ... إذَا لَمْ يَكُونَا لا اعتبارَ لِذَاتِهِ
وَمَنْ لَمْ يَذُقْ ذلَّ التَّعَلُم سَاعَة ... تَجَرَّع كَأْسَ الذُّلِ طُولَ حَيَاتِهِ
فوائِدْ: مِنْ حِكَمِ أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه: العلم خير من المال، العلمَ يَحرسك وأنت تَحرس المال، المال تنقصه النفقة والعلم يَزكُو على الإنفاق، بالعلم يَكسِبُ الإنسانُ الطاعةَ في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، العلم حاكم والمال محكوم عليه.
فإذا حصلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه وتعالى، وحركاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه، فتلك الغاية المقصودة، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وليس كل ما يريد مرادًا ولا كل طالب وَاجِدًا، ولكن على العبد الاجتهاد وكل ميسر لما خلق له والله المستعان.
يَا خَالِقِي عبدُكَ الخاطِي الحَزينُ لَقَدْ ... أتاكَ مُنْكَسِرًا فاجْبُرْ لِمُنْكَسِرِ
مُسِتَغْفِرًا مِن ذُنُوبٍ لاَ عِدَادَ لَهَا ... بِعَفْوِكَ الجمّ يَا رَحْمَنُ لا تَذَرِ
فلاَ تَدَعْني مَلِيكَ العَرْش مُطَّرحًا ... بَينَ النَّوَائِب والأسْدَامِ والغِيرَ