وَكُنْ بِالَّذِي قَدْ خَطَّ بِاللَّوْحِ رَاضِيًا ... فَلا مَهْرَبٌ مِمَّا قَضَاهُ وَخَطَّهُ
وَإِنَّ مَعَ الرِّزْقِ اشْتِرَاطُ الْتِمَاسِهِ ... وَقَدْ يَتَعَدَّى إِنْ تَعَدَّيْتَ شَرْطَهُ
فَلَوْ شَاءَ أَلْقَى فِي فَمِ الطَّيْرِ قُوتَهُ ... وَلَكِنَّه أَوْحَى إِلَى الطَّيْرِ لَقْطَهُ
موعظة: إخواني تفكروا في مصارع الَّذِينَ سبقوا، وتدبروا مصيرهم أين انطلقوا؟ واعلموا أن القوم انقسموا وافترقوا، قوم منهم سعدوا ومنهم قوم شقوا.
إخواني: إلى كم هذه الغفلة وأنتم مطالبون بغير مهلة فبالله عليكم تعاهدوا أيامكم بتحصيل العدد وأصلحوا من أعمالكم ما فسد، وكونوا من آجالكم على رصدٍ فقد آذنتكم الدنيا بالذهاب، وأنتم تلعبون بالآجل وبين أيديكم يوم الحساب.
شِعْرًا:
وَالْمَرْءُ مِثْلُ هِلالَ عِنْدَ طَلْعَتِهِ ... يَبْدُو ضَئِيلاً لَطِيفًا ثُمَّ يَتَّسِقُ
يَزْدَادُ حَتَّى إِذَا مَا تَمَّ أَعْقَبَهُ ... كِرُّ الْجَدِيدَيْنِ نَقْصًا ثُمَّ يَنْمَحِقُ
كَانَ الشَّبَابُ رِدَاءً قَدْ بُهْجَتَ بِهِ ... فَقَدْ تَطَايَرَ مِنْهُ لِلْبَلَى خِرَقُ
وَبَاتَ مُنْشَمِرًا يَحْدُو الْمَشِيبُ بِهِ ... كَاللَّيْلِ يَنْهَضُ فِي أَعْجَازِهِ الْفَلَقُ
عَجِبْتُ وَالدَّهْرُ لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ ... لِلرَّاكِنِينَ إِلَى الدُّنْيَا وَقَدْ صَدَقُوا
وَطَالَ مَا نُغِّصُوا بِالْفَجْعِ ضَاحِيَةٍ ... وَطَالَ بِالْفَجْعِ وَالتَّنْغِيصِ مَا طُرِقُوا
دَارٌ تَغُرُّ بِهَا الآمَالُ مُهْلِكَةٌ ... وَذُو التَّجَارُبِ فِيهَا خَائِفٌ فَرِقُ
يَا لِرِّجَّالِ لِمَخْدُوعٍ بِزُخْرُفِهَا ... بَعْدَ الْبَيَانِ وَمَغْرُورٌ بِهَا يَثِقُ
أَقُولُ وَالنَّفْسُ تَدْعُونِي لِبَاطِلِهَا ... أَيْنَ الْمُلُوكُ مُلُوكُ النَّاس وَالسَّوْقُ
أَيْنَ الَّذِينَ إِلَى لَذَّاتِهَا رَكَنُوا ... قَدْ كَانَ فِيهَا لَهُمْ عَيْشٌ وَمُرْتَفَقُ
أَمْسَتْ مَسَاكِنُهُمْ قَفْرًا مُعَطَّلَةً ... كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَبْلَهَا خُلِقُوا