وأَنَّ محمدًا عبدُهُ وَرَسُولُهُ فآمِنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ كَسْرِ البيتِ برمْحٍ، فَضَرَبَه في جَنْبِهِ حتى خَرَجَ مِنْ الشِّقِّ الآخر فقالَ: اللهُ أكبَرُ فُزْتُ وربِّ الكعبةِ فاتَّبَعُوا أَثَرَهُ حتى أَتَوْا أصحابَه في الغار فقَتَلَهُمْ أجمعينَ عامرُ بن الطفيلِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ وَهُوَ ابنُ أَبي طَلْحَةَ: حَدَثَّنِي أَنَسُ بِنُ مَالكٍ أنَّ الله أنَزَل فِيهم قُرْآنًا (بِلِّغُوا عنا قَومَنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ) . ثُمَّ نُسِخَتْ فَرُفِعَتْ بعْدَ مَا قرأنها زَمانًا وأنزل الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فَقَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلاعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا ففعل ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا» .
قالَ ابنُ القَيِّمِ رحمه اللهُ: عَزَّى اللهُ نبيَّهُ وأولياءَهُ عَمَّنْ قُتِلَ مِنْهُمْ في سبيلِهِ، أَحْسَنَ تعزيةٍ وألطَفَهَا وَأدْعاهَا إلى الرِّضَا بِمَا قضاهُ لَهمْ، فقالَ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً} الآية فجمَعَ لَهُمْ إلى الحياةِ الدَّائمةِ منزلةَ القُرْبِ منْهُ، وَأَنَّهم عندَهُ، وَجَرَيانَ الرزْقِ الْمستَمّرِ عليهم وفرَحَهُمْ بِمَا آتَاهمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وهو فوقَ الرِّضَا واستبشارَهُمْ بإخوانِهِمْ الذين باجتماعِهِم بِهِمْ يتمُّ سرورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ