ومعرفة مقاديرها والتمييز بين عاليها وسافلها ومفضولها وفاضلها ورئيسها ومرؤوسها وسيدها ومسودها.
فإن فِي الأعمال سيداً ومسوداً ورئيساً ومرؤوساً وذروة وما دونها، كما فِي الْحَدِيث الصحيح: " سيد الاستغفار أن يَقُولُ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إله إلا أنت " الحديث.
وفِي الْحَدِيث الآخر: " الجهاد ذروة سنام الأمر ". وفِي الأثر الآخر: (إن الأعمال تفاخرت فذكر كُلّ عمل منها مرتبة وفضله وكَانَ للصداقة مزية فِي الفخر عليهن) .
ولا يقطع هذه العقبة إلا أَهْل البصائر والصدق من أولي العلم السائرين عَلَى جادة التَّوْفِيق، قَدْ أنزلوا الأعمال منازلها وأعطوا كُلّ ذي حق حقه.
فإِذَا نجا منها أحد لم يبق هناك عقبة يطلبه الْعَدُوّ عَلَيْهَا سوي واحدة لابد منها، ولَوْ نجا منها أحدٌ لنجا منها رسل الله وأنبياؤه وأكرم الخلق عليه.
وهي عقبة تسليط جنده عَلَيْهِ بأنواع الأذي باليد واللسان والْقَلْب عَلَى حسب مرتبته فِي الْخَيْر، فكُلَّما علت مرتبته أجلب عَلَيْهِ الْعَدُوّ بخيله وظاهر عَلَيْهِ بجنده، وسلط عَلَيْهِ حزبه وأهله بأنواع التسليط.
وهذه العقبة لا حيلة لَهُ فِي التخلص منها، فإنه كُلَّما جد فِي الاستقامة والدعوة إلي الله والقيام به بأمره جد الْعَدُوّ فِي إغراء السفاء به، فهو فِي هذه العقبة قَدْ لبسَ لامةَ الحرب، وأخذ فِي محاربة الْعَدُوّ لله وبالله.
فعبوديته فيها عبودية خواص العارفين وهي تسمي عبودية المراغمة ولا ينتبه لها إلا أولُوْ البصائر التامة، ولا شَيْء أحب إلي الله من مراغمة وليه لعدوه وإغاظته لَهُ. أ. هـ.
شِعْراً:
وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبْي ... جَعَلْتُ الرَّجَا مِنّي لِعَفْوكَ سُلَمَا
تَعَاظَمِنِي ذَنْبِيْ فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ... بِعَفْوكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا