حَتّى تَسْمَعَهُ مِمَّنْ حَضَرَهُ وَشَاهَدَهُ وَتَتَأكّدَ مِنْ ثُبُوتِهِ وَبَراءَتَهِ وَخُلُوّهِ مِنْ الهوَى والأَغْرَاضِ.
وَإذَا رَأَيْتَ أَمْرَاً أَو بَلَغَكَ عَنْ صَدِيقَكَ كَلامٌ يَحْتَمِلُ وَجْهَينْ فاحْمِلْهُ مَحْمَلاً حَسَناً، قَالَتْ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بن مُطِيْعٍ لِزوْجِهَا طَلْحَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ عَوْفٍ وَكانَ أجْوَدَ الناسِ في زَمَانِهِ مَا رَأَيْتُ قَوْماً ألأمَ مِنْ إخَوانِكَ قَالَ لَهَا وَلَمَ ذَلِكَ قَالتْ أَرَاهُمْ إِذَ أيْسَرْتَ لَزِمُوْكَ وَإذا أعْسَرْتَ تَرَكُوْكَ فَقالَ لَها هَذَا واللهِ مِنْ كَرَم أخْلاقِهم يَأتُوننا في حَالِ قُدْرَتِنَا عَلى إكْرَامِهِمْ وَيَترُكُوْنَنَا في حَالِ عَجْزَنَا عَنْ القِيَام بِحَقّهِمْ.
فَانْظُرْ كَيْفَ حَمَلَ فِعْلَهُم عَلى هَذَا المَحْمَلِ الحَسَنِ، وثَانِياً أنْ يَكُونَ عَلى بَالِكَ مُسْتَحْضَرَاً أنَّ الناسَ ليسُوا مَعْصُومِينَ بَلْ لهُم هَفَواتٌ وَأَخْطَاءٌ وَتَصوَّرْ ذَلِكَ في نفْسِكَ لِتَعْذُرَهُم وَلقَدْ أحْسَنَ القَائِلُ:
مَن الذِى مَا سَاءَ قَطَّ ... وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
آخر: ... أرَدْتَ لِكَيْمَا لاَ تَرى لِىَ عَثْرَةً ... ومَنْ ذَا الذِي يُعْطَى الكَمالَ فَيَكْمُلُ
آخر: ... وَمَنْ الذِيْ تُرْضى سَجَايَاهُ كُلَّهَا ... كَفَى المَرْءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعَائِبُهُ
آخر: ... إِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ في الزمانِ مُهَذَّباً ... فَنِيَ الزمانُ وأنْتَ في الطَّلَبَاتِ
خُذْ صَفْوَ أَخْلاقِ الصَّدِيقِ وأعْطِهِ ... صَفْواً ودَعْ أخْلاَقَهُ الكَدٍرَاتِ
ثَالِثاً: أَنْ تَنْظُرَ إلى الأَمْرِ مِنْ وِجْهَةِ نَظَركَ وَمِنْ وِجْهَةِ نَظَر صَاحِبه أَيْضَاً، فَقَدْ يَكُونُ مُجْتَهِداً فِيْمَا أعْتَقَدهُ مِنْ رَأيْ مُتَحَرَّياً لِلْخَيْر فِيْمَا سَلَكَهُ مِنْ سَبِيْلٍ، فَلا تُسَارِعْ إلي الانْكَارِ عَلَيْهِ وَتَخْطِئَتِهِ مَا دَامَ مِنْ المحُتمَل أنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ مِن الحقَّ فَإنْ تَأَكَّدْتَ مِنْ الخَطأ والانْحِرَافِ فَتَقَدَّمْ بالنَّصِيْحَة سِرّاً بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، لا عِنْدَ ملأٍ مِنْ الناسِ كَمَا يَفْعَلهُ بَعضُ النَّاسِ، فَإنه أحرى لِقَبُولِ النَّصِيْحَةِ، رَابِعَاً: لاَ يَتَرَتَّبُ عَلى النَّصِيْحَةِ مَا هُوَ شَرٌ مِنْهَا.