خَرَجَ فِي تِجَارَةٍ فَكَسِبَ مَالاً فَدفَعهُ إلى امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلبَهُ فَذَكرَتْ أنَّهُ سُرِقَ مِنْ البَيْتِ وَلَمْ يَرَ نَقْبَاً وَلا أَمَارَةً فَقَالَ لهُ المَنْصُوْرُ: مُنْذُ كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟ قَالَ: مُنْذُ سَنَةٍ، قَالَ: بِكْراً أو ثَيَّباً؟ قَالَ: ثَيَّباً؟ قَالَ: فَلَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِكَ؟ قَالَ: لا.
فَدَعَا لَهُ المَنْصُوْرُ بِقَارُوْرَةٍ طِيْبٍ يَتَّخذُهُ لَهُ حَادُّ الرَّائِحَةِ غَرِيْبُ النَّوعِ فَدَفَعَهُ إِليْهِ وَقَالَ تَطَيَّبْ مِنْ هَذَا الطَّيْبِ فَإنَّهُ يُذْهِبُ غَمَّكَ فَلمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ قالً المنصُورُ لأربَعَةٍ مِنْ ثِقَاتِهِ لِيقْعُدْ مِنْكُمْ كُلُّ واحِدٍ عَلى بَابٍ مِن أبْوَابِ المَدِينَةِ فَمَنْ شَمَّ مِنْكُمْ رَائِحَةَ هَذا الطَّيْبِ مِنْ أحدٍ فَليَأتِ بِهِ، وَخَرَجَ الرَّجُلُ بالطيبِ ودَفَعَهُ إلى امرأتهِ فَلَمَّا شَمَّتْهُ بَعَثَتْ مِنْهُ إلى رَجُلٍ كَانَتْ تُحِبُهُ وقدْ كَانَتْ دَفَعَتْ إليهِ المَالَ.
فَتَطَيَّبَ مِنْهُ وَمَرَّ مُجْتَازاً بِبَعْض أَبْوَابِ المَدِيْنَةِ فَشَمَّ المُوَكَّلُ بِالبَابِ رَائِحةً طيَّبَةً فَأتى به المَنصُورَ فَسَألهُ مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذا الطَّيْبِ؟ فَلَجْلَجَ في كَلامِهِ فَبعَثَ بِه إلى وَالِيْ الشُّرطَةِ فقال: إنْ أَحْضَرَ لك كَذا وكَذا مِنْ المالٍ فَخَلَّ عَنْهُ وَإلا اضْرِبْهُ ألْفَ سَوْطٍ.
فَلَمَّا جُردَ لِلضربِ أَحضَرَ المال على هَيئَتِهِ فدعَا المَنصُورُ صَاحِبَ المَالِ فقالَ " إنْ رَدَدْتُ إليْكَ مالَك تُحَكِمَنِيْ في امْرَأَتِكَ قَالَ: نَعَمْ؟ قالَ: هَذا مَالُكَ وَقَدْ طَلَّقْتُ المَرأَةَ مِنْكَ.
قَالَ وَمِن عَجِيْبِ الفِرَاسَةِ مَا ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدِ بْنِ طُوْلُوْنَ أنَّهُ بَيْنَما هُوَ جَالِسٌ في مَجْلِسٍ لَهُ يَتَنَزَّهُ فَيْهِ إذْ رَأى سائلاً في ثَوْبٍ خَلِقِ فَوضعَ لهُ دَجَاجَةً عَلى رَغِيْفٍ وَحَلْوَى وأَمَرَ بَعَضْ الغِلْمَانِ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ فَلَمَّا وَقَعَ في يَدِهِ وَأخذهُ لمْ يَفْرَحْ بِهِ وَلَمْ يَهُشَّ لَهُ وَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ.
فَقَالَ لِلغُلامِ: ائْتِنِيْ بالسَّائِلِ. فلمَّا وقَفَ قُدَّامَهُ اسْتَنْطَقَهُ فَأَحْسَنَ الجَوَابَ