أكثَرِ الأَحْوَالِ في وُجُوْهِ الخُصُوْمِ وَجْهَ المُحِقَّ مِن المُبطلِ وَقد صَارَتْ لِيْ بذلِكَ دِرَاية لا تكادُ تُخْطِئ.
وَقَدْ وَقَعَ لِيْ أنَّ سَمَاحَهُ هَذا بالإقرَارِ عَيْنُ كَذِبِه وَلعلهُ يَنكَشِفُ لِي من أمْرهِمَا مَا أكُوْنُ مَعَهُ عَلى بَصِيرةٍ أمَا رَأَيْتَ قِلَّةَ تَعَاصِيهِمَا في المُناكَرَةِ وقلَّةِ اختلافِهِمَا وَسُكْون طِبَاعِهِمَا مَعَ عِظَمِ المالِ ومَا جَرَتْ عَادَاتُ الأحْدَاثِ بِفرطِ التَّورُّع حَتَّى يُقِرَّ بمِثلِهِ طَوْعاً عَجِلاً مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ عَلى هَذَا المالِ.
قَالَ ونحن عَلى ذَلِكَ نَتَحَدَّثُ إذْ أتَي الآذِنُ يَسْتَأذِنُ عَلى القَاضِي لِبَعضِ التُجَّارِ فَأذِنَ لَهُ فَلَمَّا دَخَل قَالَ أصْلَحَ القَاضِيْ إني بُلِيتُ بوَلدٍ حَدَثٍ صغِيرٍ يُتْلِفُ كُلَّ مَا يَظفَرُ بِهِ مِنْ مَاليْ في القِنَانِ عِنْدَ فُلانٍ فَإذَا مَنَعْتُهُ احْتَالَ بِحيَلٍ تَضْطَرُّنيْ إلي الْتِزَام العُزْمِ عنهُ.
وَقَدْ نَصَبَ اليَومَ صاحِبُ القِنَانِ يُطَالِبُ بِأَلْفَ دِينارٍ حالاً وبَلَغَنيْ أنَّهُ تَقَدَّمَ إلي القَاضِيْ لِيُقِرَّ لَهُ فَيَسْجُنَهُ وَأقَعُ مَعَ أمَّهُ فِيمَا يُنكد عَيشَنَا إلي أن أقْضِيَ عنهُ فَلَمَّا سَمِعتُ بِذلِكَ بَادَرْتُ إلى القَاضِيْ لأشْرَحَ لَهُ أمْرَهُ.
فَتَبَسَّمَ القَاضِي وقَالَ كَيْفَ رَأَيْتَ فَقُلتُ هَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلى القَاضِيْ فَقَالَ عَلَيَّ بالغُلامِ والشَّيخِ وَوَعَظَ الغُلامَ فَأَقَرَّ فَأَخَذَ الرَّجُلُ ابْنَهُ وانْصرَفَا.
قال عَمْرو بن نُجِيْد كان شَاهُ الكَرْمَاني حَادٌ الفِراسَةِ لا يُخْطِي ويَقُولُ مَن غَضَّ بَصَرَهُ عَن المَحَارِم وَأَمْسَكَ نَفَسَهُ عَن الشهوات وَعَمَرَ بَاطِنَهُ بالمُرَاقَبَةِ وظَاهِرَهُ باتباع السُنة وتعَوَّدَ أَكْلَ الحَلالِ لم تُخُطِئ فِرَاسَتُه.
واللهُ أعْلَمُ وَصَلى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. . .
مَوعظة: عِبَادَ اللهِ تيَقَّظُوا فَالعِبَرُ مِنْكُم بِمَرْأَى وَمَسْمَعٍ، وطَاَلمَا نادَاكُم لِسانُ الزَّوَاجر عَن الانْهمَاكِ في الدُّنيا وَحُطَامِهَا والتَّهَالُكِ عَلَيْهَا فَاسْمْعَ.