قَالَ الله جَلَّ وَعَلا: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) ، وقَدْ أيقنت برضاه عَنْكَ وأَنْتَ على الصراط مَعَ زمرة العابدين ووفود المتقين.
والملائكة تنادى: سلم سلم، والوجل مَعَ ذَلِكَ لا يفارق قلبك ولا قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ، تنادي وينادون: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، فتدبر حين رأوا المنافقين طفئ نورهم، وهاج الوجل فِي قُلُوبهمْ، فدعوا بتمام النور والمغفرة.
فتوهم أي تصور وتخيل وتمثل نفسك، وأَنْتَ تمر خفيفًا مَعَ الوجل وتصور ممرك عَلَى قَدْرِ خفة أوزارك وثقلها وقَدْ انتهيت إِلَى آخره. فغلب على قلبك النجاة، وقَدْ عاينت نعيم الجنان وأَنْتَ على الصراط، فحن قلبك على جوار الله عَزَّ وَجَلَّ، واشتاق إِلَى رضا الله، حَتَّى إِذَا صرت إِلَى آخر خطوات بأحد رجليك إِلَى العرصة (أى عرصة القيامة) التي بين آخر الجسر وبين باب الْجَنَّة، فوضعتها على العرصة التي بعد الصراط، وبقيت القدم الأُخْرَى على الصراط، والخوف والرجَاءَ قَدْ اعتليا فِي قلبك وغلبا عَلَيْكَ.
ثُمَّ ثنيت بالأخرى، فجزت الصراط كله واستقرت قدماك على تلك العرصة، وزلت عَنْ الجسر ببدنك، وخلفته وراء ظهرك، وجهنم تضطرب من تحت من يمر عَلَيْهَا، وتثب على من زل عَنْهُ مغتاظة تزفر عَلَيْهِ وتشهق إليه.
ثُمَّ التفت إِلَى الجسر فنظرت إليه باضطرابه، ونظرت إِلَى الخلائق من فوقه، وإلى جهنم من تحته تثب وتزفر على الَّذِينَ زلزلوا عَنْ الصراط، لها فِي رؤوسهم وأنحائهم قصيف، فطار قلبك فرحًا إذ نجوت بضعفك من النار وخافت النار وجسرها من وراء ظهرك، متوجها إِلَى جوار ربك.
ثُمَّ خطوت أمنا إِلَى باب الْجَنَّة امتلأ قلبك سرورًا وفرحًا، فلا تزال فِي ممرك بالفرح والسرور حَتَّى توافي أبوابها، فإذا وافيت بابها استقبلك بحُسْنِهِ،