ثُمَّ قِيْل لَكَ وأَنْتَ تنظر إِلَى الجسر بفظاظته وفظاعته وقِيْل للخلق معك اركبوا الجسر الَّذِي هُوَ الصراط فتصور حالتك وخفقان قلبك ورجفان جسمك مِمَّا عانيت من المزعجات والكروب والشدائد والأهوال وعظائم الأمور وقلة المأكل والمشرب والرَّاحَة.
ولما قِيْل: اركب طار عقلك رعبًا وخوفًا ثُمَّ إِذَا رفعت رجلك وأَنْتَ تنتفض لتركب الجسر فوقع قدمك على حدته ودقته فازداد فزعك وازداد رجفان قلبك ورفعت رجلك الأُخْرَى وأَنْتَ مضطرب تمروج من شدة الخوف العَظِيم وقَدْ أثقلتك الأوزار وأَنْتَ حاملها على ظهرك وأَنْتَ تنظر إِلَى النَّاس من يتهافتون من بين يديك ومن ورائك.
فتصور مرورك عَلَيْهِ بضعفك وثقلك وأوزارك وقلة حيلتك وأَنْتَ مندهش مِمَّا تحتك وأمامك ممن يئنون ويزلون وقَدْ تنكست هاماتهم وارتفعت أرجلهم وآخرون يتخطفون بالكلاليب وتسمَعَ العويل والبُكَاء والأصوات المزعجات المناديات بالويل والثبور.
فيا له من منظر فظيع ومر تقي ما أصعبه ومجاز ما أضيقه ومكَانَ ما أهوله وموقف ما أشقه وكأني بك مملوءًا من الذعر والرعب والقلق ملتفتًا يمينًا وشمالاً إِلَى من حولك من الخلق وهم يتهافتون قدامك فِي جهنم وأَنْتَ تخشى أن تتبعهم إِلَى قعر جهنم.
فتصور هَذَا بعقلك ما دمت فِي قيد الحياة قبل أن يحال بينك وبينه فلا يفيدك التفكير لعلك أن تتلافى تفريطك وتحاسب نفسك قبل أن يفوت الأوان فتبوأ بالفشل والخيبة والحرمان.
وتصور حالتك إن يؤت بالْخُسْرَانُ وزلت رجلك على الصراط ووقعت فيما كنت تحاذر وتخاف وطار عقلك ثُمَّ زلت رجلك الأُخْرَى فنكستَ على هامتك وعلت رجلاك فلم تشعر إلا والكلوب قَدْ دخل فِي جلدك ولحمك.