وأيضاً فإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُشْبِهُ بَعْضُ كلامِهِ بَعْضاً، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ المُحَدِّثِيْنَ جَعْلَ هذا طَرِيْقَاً في نَقْدِ الحَدِيْثِ وتَصْحِيحِهِ مِنْ إِبْطالِهِ، فَيقولُ: هذا حديثٌ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّهُ لا يُشْبِهُ كلامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ونَحْنُ فَقَدْ قَابَلْنَا بَيْنَ النَّهْجِ وبَيْنَ ما صَحَّ لنا مِنْ كلامِ عليٍّ بالإِسنادِ الصَّحِيْحِ، فَوَجَدْنَاهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضَاً، خارِجَاً مِنْ مِشْكاةٍ واحِدَةٍ، وكَثِيرٌ من كلامِ النَّهْجِ مَوْجُودٌ في غَيْرِهِ عَنْ عليٍّ ومُسْنَدٌ.
الأَمْرُ الثَّاني: في قَوْلِهِ رضي الله عنه: «إِن القَوْمَ لم يَجْروا في حَلَبَةٍ تُعْرَفُ الغايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِها ... إلى آخرِهِ». اعْلَمْ أَنَّ هذا كلامٌ عَظِيْمُ الوَقْعِ، وعُذْرُهُ بَعِيْدٌ يَحْتَاجُ إلى كَشْفٍ، وهو مِنْ إشاراتِهِ اللَّطِيفَةِ، وإبداعاتِهِ العَجِيْبَةِ، فَأَقُولُ في إِيضَاحِهِ إِنَّ الشُّعَرَاءَ بِحَسَبِ الغَرَضِ قَدْ يَتَكَلَّمونَ في معنًى واحِدٍ؛ كَوَصْفِ السَّحابِ والفَرَسِ، كما تَكَلَّمَ امرؤُ القَيْسِ وعَلْقَمَةُ