ومعلوم أن السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر يتصف بهما جميع الحيوانات. فكأن الله يشير للخلق بأن يقول: لا تنفوا عني صفة سمعي وبصري، بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر، وأن ذلك تشبيه، لا وكلَّا، بل أثبتوا لي صفة سمعي وصفة بصري على أساس {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، فالله جل وعلا له صفات لائقة بكماله وجلاله. والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم وكل هذا حق ثابت لا شك فيه.
إلا أن صفة رب السموات والأرض أعلى وأكمل من أن تشبه شيئًا صفات المخلوقين. فمن نفى عن الله وصفًا أثبته لنفسه، فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله. سبحانك هذا بهتان عظيم! ومن ظن أن صفة ربه تشبه شيئًا من صفات الخلق، فهذا مجنون ضال ملحد لا عقل له، يدخل في قوله: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالمِينَ (98)} [الشعراء: 97، 98] فمن يسوِّي رب العالمين بغيره فهو مجنون!
ثم اعلموا أن المتكلمين الذين خاضوا في الكلام، وجاءوا بأدلة يسمونها أدلة عقلية، ركَّبوها في أقيسة منطقية، قسموا صفات الله جل وعلا إلى ستة أقسام. قالوا: هناك صفة نفسية، وصفة معنى، وصفة معنوية، وصفة فعلية، وصفة سلبية، وصفة جامعة. أما الصفات الإضافية فقد جعلوها أمورًا اعتبارية لا وجود لها في الخارج، وسببوا بذلك إشكالات عظيمة وضلالًا مبينًا.
ثم إنّا نبين لكم على تقسيم المتكلمين ما جاء في القرآن العظيم من وصف الخالق جل وعلا بتلك الصفات، ووصف المخلوقين بتلك