حيث أن التابعين هم تلامذة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وقد تلقوا عنهم علومهم ومعارفهم، ونهلوا من منهلهم الصافي. فقد برز منهم علماء أفذاذ في تلك الحقبة الفاضلة، كانوا غرة في جبين الأمة الإسلامية ومسيرتها.
وقد كان لعلومهم أثرها، ولقولهم وزنه، ومن هنا اهتم العلماء بإيراد أقوالهم ضمن إيرادهم للتفسير المأثور في كتبهم التي اهتمت بذلك كتفسير عبد الرزاق، والطبري، والبغوي، وغيرهم.
وكان الشيخ محمد رحمه الله من أولئك العلماء الذين اهتموا بالاستفادة من تفاسير التابعين، وإيراد أقوالهم، فأوردها مستعيناً بها على تفسير الآية وإيضاح معناها، ومستشهداً بها على ما يستنبطه من أحكام وفوائد، وإن لم يكن ذلك بالقدر الموجود عند من افردوا التفسير بتصنيف خاص لجميع القرآن، إلا أنه قد طبق منهج المفسرين في هذا الجانب، فلم يهمل تفسير التابعين، بلى إنه أنزله منزلة عالية حتى كأنه يميل إلى حجية تفسير التابعين، يتضح هذا من قوله ضمن كلام وارد في رسالة مبحث الاجتهاد والخلاف وهي مختصرة من "أعلام الموقعين" لابن القيم: ومن تأمل كتب السلف ومن بعدهم وجدها مشحونة بالاحتجاج بتفسير التابعي1.
ولم يعقب الشيخ على هذا الكلام بشيء، مما يوحي بميله إلى هذا القول. ومما يقوي القول بترجيحه لما اقتصر على ذكره أن ابن القيم ذكر في "إعلام الموقعين" قبل هذا الكلام مباشرة أن في الاحتجاج بتفسير التابعي عن الإمام أحمد روايتين2. فأعرض الشيخ عن هذا الكلام وأورد ما ذكرت ففي هذا ما يوحي باختياره لإحدى الروايتين عن الإمام أحمد في هذا الموضوع.
وإذا كان الأمر كذلك فقد رجع كثير من الأئمة في تفسير القرآن إلى أقوال التابعين،