وهكذا لم يهتم الشيخ بذكر ما ذكره بعض المفسرين من القصص الإسرائيلي المتعلق بهذه القصة، وإنما ركز في النظر على الدروس المستفادة من أحداث هذه القصة، واستنبط منها كما استنبط من غيرها كقصة آدم وإبليس، وموسى وفرعون، استنباطات عجاب وفوائد عذاب.
وأما أحداث القصة ذاتها فإن ما جاء في القرآن من ذلك كاف عما سواه، إذ فيه الكفاية لفهم القصة وفائدتها، ولذا نجد أن الشيخ يركز أحياناً على استنباط أحداث القصة من خلال التأمل في النص القرآني ودلالته.
- ومن دلائل ذلك استنباطه من قوله تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} 1 الآية. أنهم لم يعلموا أنها ردت إليهم حتى وصلوا إلى أهلهم وفتحوا المتاع2. وهذا الفهم من خلال التأمل في نص الآية فإن "لما" في هذا الموضع تقتضي جملتين؛ وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما3. ومفهوم ذلك ما ذكره الشيخ في استنباطه.
- ثم يقول مستنبط من هذه الآية والتي بعدها وهى قوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} 4.
إن هذا يدل على أنهم في جوع وضراء عظيمة، وهم أكرم أهل الأرض على الله وابتلاهم بذلك لا لهوانهم عليه"5.
وهذا الاستنباط إنما هو من خلال التأمل في حالهم وما جرى بينهم وبين أبيهم من حوار وعهود ومواثيق، إذ لو كان بهم غناء عن جلب الميرة لم يحتج أبوهم إلى أن يخاطر بابنه الآخر بل يكتفي بما عندهم من الزاد.