وقد أوضح الشيخ كلا المعنيين هنا بينما اختصر القول في موضع آخر في الاستنباط من هذه الآية واكتفى بقوله: فيها التوحيد. وهذا جري على منهجه الاستنباطي المعروف فاكتفى بهذه الكلمة الفذة الشاملة عن كلام كثير جداً لو سطره لوسع مجلدات كما فعل ابن القيم من قبل في كتابه "مدارج السالكين بين مراتب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ".
ولكن الشيخ "رحمه الله" كما هو معهود عنه من كتاباته ومؤلفاته يهدف إلى الاختصار، والنص على أصول المسائل المفيدة من أقصر طريق، وإن كان يرى أن الموضوع وأسع جدا، ومما يؤيد هذا أن الشيخ بعد أن استنبط من الفاتحة بعض المسائل المختصرة قال في آخرها: آيات الفاتحة كل آية منها لو يعلمها الإنسان صار فقيهاً، وكل آية قد أفرد معناها بالتصانيف1. وإضافة إلى بيان الشيخ للعقيدة وأسسها من خلال تفسيره، فإنه يبين أحياناً أهمية بعض المسائل بطريقة ما كأن ينص على أهميتها، أو يتعجب من عظمها، أو غفلة الناس عنها إن كانت حسنة أو انغماسهم فيها إن كانت خلاف ذلك.
ولاشك أن مثل هذا الأسلوب يحدو بالقارئ إلى آن يقف عند هذه المسألة وقفة ليتمعن فيها، ويتأثر بما تأثر به الشيخ منها. وأمثلة ذلك كثيرة جدا فمنها:
قوله عند تفسير قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فمن عرف تفسير هذه الآية وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم مع أنه سبحان مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة، التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، ودخل النار من دخلها، فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها! فأين هذا المعنى والإيمان بما صرح به القرآن مع قوله "صلى الله عليه وسلم": "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً" 2. من قول صاحب البردة: