فإذا عدنا للنظرية الجبرية عن الفعل الإنساني، لما وجدناها تختلف عن فكرة الكسب الأشعرية، فالجبرية ينفون الفعل حقيقة عن العبد ويضيفونه إلى الله تعالى، ولا يختلف ذلك في جوهره عن قول أبي الحسن الأشعري: إن الفعل الحاصل إذا أراده العبد وتجرد له سمي هذا الفعل كسبًا، فيكون خلقًا من الله تعالى - وإبداعًا وإحداثًا - وكسبًا من العبد - حصولاً تحت قدرته (?) .
وربما أحس الشهرستاني نفسه - باعتباره أشعريًا - بهذا المأزق، فتراه عند عرضه للمذهب الجبري، يفرق بين ما سماه بالجبرية الخالصة التي لا تثبت للعبد فعلاً أو قدرة على الفعل أصلاً، والجبرية التي يسميها المتوسطة - وهي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة، ثم اضطر إلى اصطناع موقف الدفاع عن فكرة الكسب فقال: (فأما من أثبت للقدرة الحادثة أثراً ما في الفعل، وسمى ذلك كسبًا، فليس بجبري) (?) .
نقد ابن تيمية لنظرية الكسب:
لم يكن ابن تيمية متعسفًا إزاء الأشعري، عندما أظهر تناقضه بين الجبريين والقدريين وهذا يفضي بنا إلى بيان النقد التفصيلي الذي يوجهه شيخ الإسلام إلى نظرية الكسب الأشعرية، ونقطة البداية في شرح المسألة أنه ينبغي التمييز في الإرادة الإلهية بين نوعين: إرادة تتعلق بالأمر المتضمنة للمحبة والرضا وهي الإرادة الدينية، وإرادة تتعلق بالخلق وهي المشيئة، أي: الإرادة الكونية القدرية (?) لإثبات أن كل الأفعال خاضعة لقدرة الله تعالى، في مثل قوله: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) [السجدة، الآية: 7] وقوله عز وجل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل، الآية: 88] فإذا نظرنا إلى أفعال العباد من الطاعات لوجدناها موافقة للأمر الإلهي، لا موافقة للإرادة الإلهية، وذلك لينفي فكرة الجبرية، لأن الطاعة والمعصية باختيار العباد.