نتيجة وموازنة:

نستخلص من هذا الباب أن المحدثين شملوا بالبحث المقارن كل احتمالاته واستنتجوا الأنواع المشتركة بين السند والمتن، وذلك أن الحديث إما أن يتفرد به روايه حقيقة "غريب سندا ومتنا"، أو يتفرد به بوجه ما من أوجه التفرد النسبي "الغريب سندا لا متنا" و"الفرد".

وإما أن يتعدد رواته مع الاتفاق أو يختلفوا في روايته:

أما التعدد مع الاتفاق فقد استقصى المحدثون كل صوره من أدنى التعدد بأن يكون له طريقان "العزيز" أو ثلاثة فأكثر وكان جمعا محصورا "المشهور" أو يكون رواته جمعا يؤمن تواطؤهم على الكذب "المتواتر". وهذا التقسيم أدق من تقسيم الأصوليين الذين قسموا الخبر إلى قسمين فقط "المتواتر" الذي ذكرناه، و"الآحاد" وهو كل ما لم يبلغ درجة التواتر.

أما تعدد رواة الحديث مع اختلافهم فيه فهذا الاختلاف إما بالزيادة والنقصان وهو "زيادات الثقات"، وإما بالباين بينهم، وقد استقصى المحدثون أوجه هذا الاختلاف وجعلوا لك واحد منها نوعا خاصا به على نحو ما سبق بيان في خاتمة الباب الخاسم1، فإنه ينطبق على هذه الأنواع المشتركة، ومن تأمل درساتها يتصح له دقة المحدثين في موازنة المرويات وأنهم لك يكتفوا في ذلك بأسانيد الحديث المبحثو وألفاظ منه بل اسحضروا أحاديث الباب، ثم قاموا باستقراء موقع الراوي بين حلقات الأسانيد من أجل كشف العلل الخفية، وهو استقراء عظيم يحتاج إلى خبرة وحافظة محيطة متيقظة سريعة الاسحضار، كما أعملوا النظر الناقد في المتون فساتخرجوا من موازنتها ما قد يفع في بعضها من العلل واستعانوا كذلك بالاحتكام إلى دلائل العقل والشرع لكشف العلة في المتن، نحو المدرج والمصحف، فجاءت دراساتهم لهذه المسائل الامضة الخطيرة آية في دقة البحث النقدي، وعظمة المنهج الذي وضعوه من أجل صيانة الحديث النبوي، والمحافظة عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015