من حكمة الداعي أن يقدر كلمته كماً ووقتاً بما يتناسب وحال المدعوين .. وذلك حتى لا يوقع المجتمعين في حرج من وقتهم. أو من مناسبتهم، فإنهم - في الأصل -لم يجتمعوا لهذه الكلمة، وإنما جاءت عرضاً، فلا ينبغي له أن يطيل عليهم، فيصيبهم الملل، وتغشاهم السآمة .. فينتظرون انتهاء الكلمة بفارغ الصبر، -وحينئذ- لا يستفيدون شيئاً.
والناظر في مواعظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يجد أنها غاية في القصد، وغاية في البلاغة والتأثير. وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أوتيت جوامع الكلم)) (?) ولو قدرنا خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرفة، لما زادت عن دقائق معدودة، وكذلك في المناسبات الأخرى لا تزيد عن هذا.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال ناصحاً أحد تلاميذه: (( ... ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم، فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فَتُمِلُّهُم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه .. )) (?).
المسألة الثالثة: خلاصة هذا المبحث: أن يستغل الداعية ما يمر بالمسلمين وبواقعهم من مناسبات وأحداث، وأن يتكلم فيها بما يناسبها من غير إملال، ولا إثقال. والله الهادي إلى سواء الصراط.