ينقل عنه، وهو عند جماعة من أهل الأصول دليل عقلي؛ لأن العقل يدل على براءة الذمة حتى يثبت شغلها بموجب يقتضي ذلك. ولا شك أن القرآن العظيم دل في آيات متعددة على أن أستصحاب العدم الأصلي المعروف في الأصول بالإباحة العقلية والبرأءة الأصلية دليلٌ على البراءة حتى يثبت ناقل عنه.
ومن أمثلة ذلك في القرآن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استغفر لعمه الذي مات مشركًا وهو أبو طالب واستغفر المسلمون لموتاهم المشركين، وكان مستندهم في ذلك الاستغفار أستصحابُ العدم الأصلي، أي عدم النهي عن الاستغفار لهم حتى يَرِدَ دليلُ المنع، كما يدل قوله: "لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ"، فهو يدل على أنه معتمد في ذلك على عدم النهي، ونزل النهي عن ذلك في قوله تعالى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: 113]. بيَّنَ أن استغفارهم لهم السابق قبل نزول النهي اعتمادًا على استصحاب العدم الأصلي لا حرج عليهم فيه، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115].
ونظير ذلك: أنه تعالى قال في الأموال التي جمعوها من معاملات الربا قبل نزول تحريمه اعتمادًا على استصحاب العدم الأصلي: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] ونظائر ذلك في القرآن العظيم متعددة، وهي تدل على إن استصحاب العدم دليل على براءة الذمة حتى يثبت ناقل عنه.